انتصرت الحكمة... واندحر دعاة «التأزيم»
«انتصرت الحكمة»، هذا - باختصار- ما جرى أمس الأول حين تزامنت صورتان: صورة الملك والامراء أمام الاضرحة الملكية، وصورة الاحتفاء بدخول الدولة في مئويتها الثانية، العلاقة بين الصورتين تستدعي برمزيتها المكانية والزمانية «ارث» الملوك الراحلين وحكمتهم في الحكم، تلك التي جسدها الحسين طيب الله ثراه حين صفح عن الذين حاولوا الانقلاب عليه وأولاهم اعلى المناصب في الدولة، وهي لا غير التي حرص الملك عبدالله الثاني على ترسيخها في هذه «اللقطة» لتطمين الأردنيين على «نهج» دولتهم والرد على «دعاة» التأزيم بأن المملكة الرابعة لا يمكن الّا تكون استمراراً لما بدأه الآباء والاجداد قبل نحو ??? عام ، باعتباره «السرّ» الذي حافظ على بقاء البلد واستقراره رغم ما واجهه من «عواصف»، وما جرى حوله من انفجارات.
سياسياً، يمكن قراءة الصورة في اطار «طي» صحفة المحنة في شقها المتعلق بالأمير داخل الأسرة الملكية، وربما «تكييفها» قانونياً وفق المصلحة العليا للدولة في الشق الآخر المتعلق ببعض «الموقوفين» المرتبطين بها، كما يمكن قراءتها أيضا في اطار «التقاليد» الملكية التي يتنازل فيها الملك – كما فعل والده - عن حقه الخاص في محاسبة الذين استهدفوا زعزعة النظام السياسي، ويمكن فهمها -ثالثاً- في سياق استلهام القيم التي تأسست عليها الدولة الأردنية، قيم السماحة والعفو والاعتدال، وذلك لتأكيد سيرورتها في المئوية الثانية.
مقابل «انتصار الحكمة» واصواتها التي ترددت في فضاءاتنا العامة وتلك التي آثرت الصمت، اندحرت أصوات «دعاة التأزيم» الذين حاولوا النفخ في كير «الفتنة» ، وتسلقوا على جدران «المحنة»، وقدموا نصائحهم المغشوشة، اما «الرابح» فقد كان البلد وأهله الطيبون الذين لا يسعدهم أبداً ان يروه منقسما او مشدوداً، ولا يفكرون الاّ في مصلحته لكي يبقى عزيزاً بعيداً عن «التناوش» والاصطياد في المياه العكرة.
مؤقتاً، استعاد الأردن «عافيته» ، وخرج سالماً من «الوعكة» الصحية التي الزمته الفراش، لكنه صحا على الواقع المؤلم الذي أوصله الى هذه النتيجة، بكل ما فيه من أخطاء تراكمت، وازمات توسعت، وايادٍ خبيثة تسللت الى المواقع فعبثت بها، وقيم جديدة «مشوّهة» تسيّدت واستبدت، هذه الصحوة لم تكن جديدة، لكنها مزدحمة بصور الوعي والاحساس بالخطر والبحث عن الفرص الواجبة، للخروج من المحنة، وترسيم المستقبل الذي يليق بالبلد وأهله.
بقي، فقط، ان تتحرك «الكتلة» التاريخية الأردنية، بما تمثله من عزم وهدوء وعقلانية، لكي تستثمر بما حصل، وتصنع التوافق المطلوب «للمّ الشمل الوطني» وطرح «أجندة» الخلاص من هذا الواقع الذي فرض على مجتمعنا تقمص حالة الحزن والخوف والسوداوية، والاستغراق في دوامة «الصراخ» بلا جدوى، والبحث عن «خرائط» الطريق في الشارع، حركة «الكتلة» التاريخية الأردنية هو واجب «الوقت» الآن، وهذه الكتلة التي لم نسمع صوتها هي المسؤولة اليوم، في لحظة فارقة من تاريخ بلدنا، وهي التي تتحمل مسؤولية التقاط إشارة التصحيح وطرح الحلول اللازمة.
ودعنا المئوية الأولى من عمر الدولة بمنطق الحكمة، ويجب ان نبدأ المئوية الثانية بترسيخ هذه القيمة، وان نستلهم منها المرتكزات الصحيحة لبناء الدولة وضمان استمرارها واستقرارها، ابتداءً من الحرية والعدالة والانصاف، الى الحفاظ على الهوية واحياء الروح الوطنية ورفع الهمة وطرد اليأس من صدور الأردنيين، وهذا لا يتحقق الاّ اذا عادت الثقة بين الدولة وأهلها، والتزمت المؤسسات بأدوارها، واقتنع الأردني بأنه مواطن لا مجرد رقم، وبأن «كرامته» تسمو على كل الاعتبارات.
الدستور