عن واشنطن وطهران وطالبان... و«الكومبارس» الأوروبي
قادة الغرب يبتلعون ألسنتهم، حين تُقدم إسرائيل على ضرب مفاعل «ناتنز» في ذروة محادثات فيينا وما أحاط بها من مناخات تفاؤل بقرب إحياء خطة العمل المشتركة الشاملة...بيد أنهم يهرعون، زرافات ووحدانا، للتنديد بطهران حين تشرع في رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60 بالمئة، على اعتبار أنها خطوة تشكل خروجاً على التزاماتها بموجب الخطة المذكورة...أي نفاق هذا؟
لو أن قادة الغرب، انتفضوا ضد عدوانية إسرائيل وصلفها، ووجهوا توبيخاً لرئيس حكومتها، مقروناً بتحذيرات صارمة من مغبّة تكرارها، لربما ما كانت طهران لتقدم على ما أقدمت عليه، ولربما ساعد ذلك المتفاوضين في فيينا على إنجاز مهمتهم بيُسر أكبر، بل ولربما تعززت مكانة الأصوات الإيرانية المطالبة بإبقاء برنامج طهران النووي في إطاره السلمي حصراً.
لكن أن يتمسك قادة «الديمقراطيات» بالحكمة الصينية القديمة: «لا أرى، لا أسمع ولا أتكلم» حين يتعلق الأمر بممارسات «أزعر الحي» الإسرائيلي، مقابل «قرع طبول» الاستنكار والتنديد برد الفعل الإيراني، فتلكم هي بعينها «معايير الغرب المزدوجة»، وتلكم هي سياسة «الكيل بمكيالين» في أبشع تجلياتها.
إن كانت واشنطن، ومن خلفها «الكومبارس» الأوروبي، وسنوضح لاحقاً لماذا «كومبارس»، جادة في سعيها لاستنقاذ الاتفاق النووي، فلتُسرّع مسار التفاوض مع إيران، ولتُرفع العقوبات التي فرضها ترامب من ضمن سياسة «أقصى العقوبات»...ذلكم هو ما يقنع إيران بوقف انتهاكاتها للاتفاق والعودة إليه، وبخلاف ذلك، فلن يكون مستبعداً أن تنهار المفاوضات، وتعيد طهران النظر في موقفها من انتاج «القنبلة»، إن لم يكن الآن وفوراً، ففي مستقبل ليس ببعيد.
لإيران خبرة طويلة وممتدة في التفاوض مع الغرب، أدركت خلالها أن القوة، والقوة وحدها، هي من يقرر نتائج العملية التفاوضية...وهي بكل تأكيد راقبت عن كثب، كيف أدارت واشنطن، أكبر حربين لها في القرن الحادي والعشرين، وكيف خرجت منهما، تجرجر أذيال الخيبة: غزت أفغانستان بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وها هي ستنسحب عنها، كلياً، في الذكرى العشرين لتلك الأحداث، فيما طالبان، تحضّر نفسها لاستعادة «إمارتها» في طول البلاد وعرضها، و»كأنك يا أبو زيد ما غزيت»...وغزت العراق في العام 2003، وها هي تقرر سحب جميع قواتها المقاتلة، تاركة بلاد ما بين النهرين، لقمة صائفة لألد أعدائها: إيران.
إيران لم تذعن لشروط واشنطن، حتى وهي تحيط بها، من الشرق والغرب، بل ومن جهاتها الأربع، وبكامل عدتها وعديدها، فما الذي سيدفع طهران للرضوخ للإملاءات الأمريكية، وهي ترى واشنطن تنسحب، خالية الوفاض، من بلدين جارين: أفغانستان والعراق، وكنتيجة لخسارة الحرب، وليس بعد إنجاز مهامها، وبتدخل إيراني مباشر وكثيف، لدعم القوى المناوئة لواشنطن في البلدين، وإن بشكل متفاوت.
طالبان تنتصر في أفغانستان، وإيران تنتصر في العراق، وليس مستبعداً أن تفاجئنا طهران بأول «تفجير نووي» لها، إذ في ظني أن «فتوى تحريم القنبلة» باتت تصطدم بما يَنقُضها في تجربة إيران مع إسرائيل والغرب، وأحسب أن طهران اكتشفت، أو هي بصدد الاكتشاف قريباً، بأن «القنبلة» هي شبكة أمانها الوحيدة، في وجه عداء إسرائيل السافر ونفاق الغرب وتردده.
أما لماذا نقول «الكومبارس» الأوروبي، فذلك لأن دول الاتحاد الكبرى، لم تستطع استنقاذ اتفاق فيينا النووي، ولم تجرؤ على الوفاء بالتزاماتها بعد خروج إدارة ترامب أحادي الجانب، من هذا الاتفاق، وهي تقف اليوم، صامتة عاجزة، أمام العربدة الإسرائيلية ضد إيران، وتُصدر الأوامر لقواتها في أفغانستان والعراق، بالاستعداد للانسحاب، مع أو قبل القوات الأمريكية...أليست هذه عادة، وظيفة «الكومبارس» في السينما والدراما...وفي السياسة كذلك؟
الدستور