وشهد شاهد من أهلها: إسرائيل دولة «اضطهاد» و «أبارتهايد»
بين تقرير «بتسيلم» الموسوم بـ « نظام تفّوق اليهود من النهر إلى البحر: إنّه أبارتهايد»، الذي صدر في يناير الماضي، وتقرير «هيومن رايتس ووتش» الذي صدر أمس الأول، بعنوان «تجاوزوا الحد: السلطات الإسرائيلية وجريمتا الفصل العنصري والاضطهاد»، مسافة من الزمن لا تتعدى الثلاثة أشهر، بيد أنهما جاءا يحملان العنوان ذاته تقريباً، بعد أن كان كانا خلصا إلى الحقائق والنتائج ذاتها.
تقرير أهم منظمة حقوقية إسرائيلية جاء مكثفاً نسبياً، بخلاف تقرير أهم منظمة حقوقية أمريكية، فقد جاء مفصلاً، وفي أزيد من مائتي صفحة، ثمة حاجة لكل فلسطيني وعربي، ولكل محب للعدل والمساواة والسلام في العالم، أن يدرس التقريرين (ولا أقول يقرأ)، ففيهما ما يكفي لإدانة إسرائيل بالفصل العنصري والاضطهاد، وبالجرم المشهود.
تقرير «هيومن رايتس ووتش»، استعرض حال التمييز العنصري في كل من الضفة والقدس وقطاع غزة وداخل الخط الأخضر، وخلص، كما تقرير «بتسيلم»، إلى نتيجة مفادها أن إسرائيل تجاوزت الحد، وأنها باتت نظام «أبارتهايد»، وأن فلسطين التاريخية بملايينها الأربعة عشرة، باتت تُحكم من قبل دول تكرس تفوق «اليهود»، وتنكل بالفلسطينيين.
لم يعد التمييز العنصري خاصاً بالفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1967 فحسب، بل بات سمة للسياسات والممارسات والأحكام الإسرائيلية ضد فلسطيني 48 كذلك...عنصرية إسرائيل، تخطت الخط الأخضر، ولم تعد تعترف بحدود.
تقرير «هيومن رايتس ووتش»، استند في نتائجه وخلاصاته، إلى مراجعة شاملة للسياسات والتشريعات الإسرائيلية، وحفر في عمق الوثائق الحكومية حول ملكية العقار وسياسات البناء والتخطيط المديني، ليلخص إلى نتيجة، كما «بتسيلم»، بأن كل الحقوق متاحة لليهود، وممنوعة على الفلسطينيين العرب...بحث التقريران في سياسات البناء والاستيطان والتنقل والهجرة والعمل والتوظيف، ورصد التقريران الانتهاكات ضد الفلسطينيين من مصادرة الأراضي على نطاق واسع، مروراً بالحرمان من حقوق الإقامة، وانتهاء بمصادرة الحقوق المدنية، جرائم وصفها تقرير «هيومن رايتس ووتش» بأنها جرائم، مستنداً إلى تعريف الفصل العنصري في اتفاقية الفصل العنصري لعام 1973 والاضطهاد بموجب «نظام روما الأساسي» المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998.
خلص تقرير «هيومن رايتس ووتش» إلى مروحة واسعة من التوصيات، للحكومة الإسرائيلية، ولمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينيتين، للولايات المتحدة، إدارة ورئيساً وكونغرس، وللأمم المتحدة وأمينها العام، والاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي والمحكمة الجنائية الدولية...توصيات تذهب جميعها نحو الحاجة للتدخل العاجل، ومن منطلق «حقوقي» أساساً، لوضع نهاية لآخر نظام للتمييز العنصري في العالم.
أطرف التوصيات وأكثرها إثارة، تلك الموجهة للفلسطينيين: لمنظمة التحرير بأن تجعل من مسألة النضال في سبيل «الحقوق» متقدمة على أية أهداف سياسية معينة، وهذه التوصية تصب في صميم الجدل الفلسطيني الداخلي، حول ثنائية «الاستقلال» و»الحقوق»...وللسلطة الفلسطينية بأن توقف «التنسيق الأمني» حتى لا تكون شريكة للأجهزة الإسرائيلية، في مقارفة جريمتي الفصل العنصري والاضطهاد.
الغريب في الأمر، أن توصيات المنظمة الحقوقية الأمريكية، لا تكتفي بالحديث عن وقف الاستيطان ومنع التوسع به، بل وتطالب بتفكيك جميع المستوطنات، وإعادة المستوطنين إلى داخل الخط الأخضر، بما في ذلك مستوطنات القدس ومستوطنيها، وتطالب بكفالة حق العودة للفلسطينيين كما هو متاح للإسرائيليين، التقرير بهذا المعنى، أكثر تمسكاً بحقوق الفلسطينيين، من المواقف الرسمية الفلسطينية والعربية كافة.
التقريران يوفران مادة خصبة، لكل حركات المقاطعة ومنظمات حقوق الانسان، لفتح ملفات «الأبارتهايد» الإسرائيلي، دون خشية من اتهامات بالعداء للسامية، فلا أحد يجرؤ أن يتهم المنظمتين بأنها كذلك، ويمكن أن يشكلا معاً، لائحة اتهام لإسرائيل، صلبة، وغير مطعون في نزاهتها وحيادها.
الدستور