معان والثورة العربية الكبرى

تم نشره الإثنين 20 حزيران / يونيو 2011 01:02 صباحاً
معان والثورة العربية الكبرى
عبدالله آل الحصان

في ظل المتغيرات والأحداث التي سادت المنطقة أرسل عدد من الوطنيين برقيات إلى الشريف حسين يطلبون إليه إيفاد أحد أنجاله كي يتزعم الحركة الوطنية المناوئة للفرنسيين، وكانت بينها برقية من معان تقول (نحن شبان سورية اضطررنا أن نأتي إلى هذه المنطقة ولا ينقصنا شئ إلا زعيم يقودنا)، فقرر الشريف الحسين أن يوفد احد أبنائه فاختار «عبدالله»، فأوعز إليه بالاستعداد واعلمه انه سيكون وكيل أخيه حول سورية من الأراضي التي لم يحتلها الفرنسيون، بل أعلن أن عبدالله سيكون أمير معان وهي آخر حدود الحجاز الشمالية حينها.

وعندما وصلت رسائل السوريين إلى الحسين، استأذن الأمير عبدالله والده في الذهاب إلى معان طالباً أن يتحمل «تبعات هذه الحركة شخصياً» فإذن له، وغادر الأمير مكة في أواخر شهر أيلول، وتوجه الأمير من مكة إلى المدينة المنورة، ومن هناك سافر بواسطة سكة حديد الحجاز إلى معان، فوصلها بعد مشقات شديدة بسبب خراب الخط في بعض الأماكن وحاجة القطار إلى الوقود.

وصل الأمير إلى معان يوم 21 تشرين الثاني 1920 (11 ربيع الأول 1339هـ) ومعه مجموعة من الأشراف هم: شاكر بن زيد، وعلي بن الحسين الحارثي وأخوه محسن، حسين الشقراني، جعفر بن فتن وأخوه منصور وعقاب بن حمزة وعبدالرحيم اللهيمق وخمسة من الأشراف العبادلة بالإضافة إلى الشريف محمد علي البديوي، حيث قابلت معان والقبائل المحيطة بها الأمير بحماسة، ويصف الباحث مصطفى الخشمان في كتابه (ألوان من الشعر النبطي في الأردن وما حوله، ج 2) لقاء أهالي معان بالأمير قائلاً «ما زال أهالي معان يذكرون العرضة التي أقيمت عند قدوم الأمير عبدالله بن الحسين إلى معان عام 1920م»، حيث أصطف الرجال على جانبي الطريق وهم يلوحون ببنادقهم وبسيوفهم ويهزجون:

 

شد الحرايب يا لشريف.

لا يرتخي مسمارها

وأبوك قبلك ما يخاف.

يفرح ابشبه نارها

يا مير صوت للشباب.

يوم تجينا تزحم

لباسة الشمغ الحمر.

ذباحة ما ترحم

يا طايحاً سوق المباع.

عيباً على اللي ما يبيع

وان بعتني تراني أبيع.

بأرخص ثمن للي شرى

يا قاعداً عند الحريم.

يا شين علم وش بلاك

خايف على روحك تضيع.

هويتك تصبح وراك

يا الله تظهر عزوتي.

من هيه باكر تصير

يا الله طلبتك يا كريم.

بارودة بصفوفها

وبمهرة وقم الرباع.

والغشمرية اتحوفها

ياونتي ونيتها.

بين القويره والعقب

هويتي خليتها.

عيت على كل الطلب

واستقبل الأمير عبدالله في معان عدد من الضباط العرب بينهم الأمير غالب الشعلان، والرئيس عبدالقادر الجندي، والرئيس محمد علي العجلوني، والرئيس خلف التل، والملازم احمد التل بالإضافة إلى عدد من الأحرار السوريين، ومن جملتهم فؤاد سليم ومحمود مريود ومحمود الهندي.

وفي معان أعلن الأمير عبدالله نفسه نائباً عن أخيه فيصل ملك سورية الشرعي، ودعا أعضاء المؤتمر السوري للمجئ إلى معان وفي نيته تأليف حكومة منفى سورية، ثم أرسل الرسائل يدعو زعماء شرقي الأردن وشيوخها للقدوم إلى معان.

وأثناء إقامة الأمير في معان، جاء إليها عوني عبد الهادي حاملا رسالة شفوية من هربرت صمؤيل، ينصح فيها الأمير بالعودة إلى الحجاز، وان لا يحرك ساكنا في شرقي الأردن حتى مجيء تشرشل إلى القدس.

إلا أن الأمير عبدالله لم يستمع لتحذيرات البريطانيين، فأصدر في معان منشورا في 25 ربيع الأول سنة1339هـ، ضمنه سبب قدومه، ومبينا دور فرنسا في هدم عرش سورية، وخيانة عهود الحلفاء للعرب، قائلا: «كيف ترضون أن تكون العاصمة الأموية مستعمرة فرنسية؟ إن رضيتم فالجزيرة لا ترضى وستأتيكم غضبى، وان غايتنا الوحيدة هي نصرتكم وإجلاء المعتدين عنكم»، معلنا تجديد بيعته لأخيه فيصل ملكا على سورية، واقسم سموه يمينا انه سيعود من حيث أتى بعد إتمام مهمته.

إلا أن أعضاء المؤتمر السوري لم يبادروا بالحضور إلى معان، واشترط الضباط والجنود ضمان تقاعدهم أن لم تنجح الحركة، أما كامل البديري فقد طلب ثمانين ألف جنيه، ليؤسس أقلام استخبارات ودعاية، وكذلك نبيه العظمة طلب مائة وعشرين ألف جنيه للغرض نفسه، وكان الأمير خالي الوفاض، لا يملك المال حتى انه اضطر للاقتراض.

وقد سارع الفرنسيون بتقوية دفاعاتهم خشية مهاجمتهم من قبل الأمير عبدالله، وكاتبوا بريطانيا بهذا الشأن، متهمين بريطانيا بتمويل الأمير وتزويده بالأسلحة، فما كان من اللورد كرزون إلا أن استدعى الأمير فيصل في كانون الأول 1920، وابلغه استياء بريطانيا لما اسماه الحوادث التي تقع في شرقي الأردن، فوصل مندوب الأمير فيصل صبحي الخضراء إلى السلط، ثم توجه إلى معان، وراسل الأمير فيصل والده الحسين والأمير عبدالله، طالبا منهما التريث ريثما يتم هو المساعي السلمية، وقد هدد الكابتن برنتون زعماء عمان بعدم الاتصال بالأمير، ثم كاتب الإنجليز الأمير، وكاتبه متصرف السلط مظهر رسلان قائلا: «لقد بلغ الحكومة الوطنية عزمكم على زيارة شرقي الأردن، فان كانت الزيارة لمجرد السياحة فان البلاد ستقابلكم بالترحيب، وان كانت الأغراض سياسية، فان الحكومة ستتخذ كل الأساليب المانعة لزيارتكم». وقد أجابه الأمير: «إنني سأزور شرقي الأردن زيارة احتلالية، وان الحكومة العربية في سوريا هي التي انتدبتني، فانا الآن أنوب عن جلالة الملك فيصل، ويجب عليك أن تعلم ذلك، كما يجب عليك تلقي الأوامر من معان، والا سيعين غيرك محلك».

وبدأ تشكيل نواة الجيش العربي الأردني في معان من خلال الفرسان المسلحين الذين رافقوا الأمير عبدالله خلال قدومه معان من الحجاز في 21/11/1920م على رأس قوة مكونه من (1500) فارساً قاموا بالواجبات الأمنية وحفظ الأمن والنظام، وفي قصر الملك المؤسس الذي يعود تاريخ بنائه للفترة ما بين (1904- 1908م ) وهي فترة إنشاء محطة معان، صدرت أول صحيفة في الأردن -الحق يعلو- (21/10/1920 حتى 28/2/1921م ) وهي جريدة عربية ثورية تصدر مرة في الأسبوع، صدرت بهذا الاسم بأربعة أعداد في معان وعدد واحد في عمان، وكانت تكتب بخط اليد ويشرف على تحريرها السيد محمد الأنسي وعبد اللطيف شاكر.

وأثناء تواجد الأمير عبدالله في معان كان يقضي ساعات فراغه في بستان الشيخ صبح أبو العيد الجغامين بمنطقة معان الشامية، وكان هذا البستان أجمل بساتين معان على الإطلاق، حيث كانت تتكاثر فيها الأشجار والعنب والتين والزيتون والقرايص والرمان، ويروى أن الأمير عبدالله قد بكى لدى دخوله لأول مرة لهذا البستان، وسأله مرافقوه عن السبب فرد قائلاً: لقد ذكرني هذا النخيل بنخيل الطائف.

وعندما دعاه الوطنيون للذهاب إلى عمان منتصف شهر جمادى الثانية سنة 1339هـ/ 1921م قال الأمير عبدالله لأهالي معان من شُرفة المنزل الذي كان يقيم فيه خلال وجوده في معان في مودعيه قائمة جاء فيها.

«كلكم يعلم ما حل بالبلاد، وإننا نرى دماءنا وأموالنا رخيصة في سبيل الوطن وتخليصه. ولقد قطعتم الفيافي والقفار والتحقتم بنا للذود عن البلاد والأعراض، وقد كان سعيكم سعيا مشكورا وعملا مبرورا. بارك الله فيكم وحيا شعوركم الصادق» غادر الأمير عبدالله معان متوجهاً إلى عمان يوم الاثنين في 20 جمادى الثانية سنة 1339 هجرية الموافق 28 شباط سنة 1921م.

وفي 24/6/1925م أصدر الأمير عبدالله إرادته بضم كل من معان والعقبة إلى إمارة شرق الأردن « نظراً لتنسيب صاحب الجلالة الهاشمية الملك علي المعظم ملك البلاد المقدسة الحجازية ضم ولاية معان والعقبة إلى إمارتنا اقتضى إصدار إرادتنا إليكم وإعلاناً بذلك مع الشكر الدائم لجلالته الملكية الهاشمية منا ومن شعبنا ومن حكومتنا « وفي اليوم التالي قام الأمير عبدالله يرافقه رئيس نظاره آنذاك رضا باشا الركابي، وترأس مراسم الانضمام الرسمي واعتبر يوم 25 حزيران التاريخ الرسمي لانضمام العقبة ومعان إلى الإمارة.

وظلت معان في ذاكرة الملك المؤسس ففي 22/2/1946م ألقى خطاباً بمدينة الشونة الشمالية ضمن احتفال الكتيبة قال فيه: «وإني حين اذكر الجيش العربي يدور في خلدي تلك الآونة التي وصلت فيها إلى معان ثم إلى هذه البلاد، فمعان هي جارة البلاد التي يقوم بها بيت الله الحرام وجارة الرسول عليه الصلاة و السلام وهي العاصمة الأولى لهذه البلاد فهي في نظري ألمع حجر في البلاد الأردنية وستظل كذلك إلى ما شاء الله



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات