ثمانية يحبهم الله
ما هي العلاقة التي تربطك بالله تعالى؟ هل تحبه أم تخشاه فقط وتطمع في ثوابه؟ ربما لم يخطر في بالنا ان نسأل أنفسنا هذا السؤال باعتبار أن (محبة) الله مسألة فطرية وان الخشية والخوف والرجاء فطرة فطرنا الله عليها، وبالتالي فان علاقتنا مع الله تعالى مزيج من هذه المشاعر: نحبه ونسأله ونرهب من غضبه ونرجو مغفرته.. وكلها تندرج في سياق (الحب) العام الذي تتماهى فيه المشاعر، كل المشاعر، وتتناغم فيه الصفات والمواصفات بألوانها كالطيف تماما.
ورد فعل (حب الله) في القرآن الكريم ومشتقاته نحو 86 مرة، معظمها في صيغ فعلية تدل على الممارسة والاستمرار، وقد اختلف العلماء في تعريف (الحب) قيل انه فعل (يُحَسّ) ولا يوصف، ويُعرف ولا يُعرّف، وقيل انه التعلق بالشيء على وجه الاستئناس به والاستيحاش لفقده، وقيل ان الحب يقترب من العبادة، وقوته لا تقل عن قوة الإيمان الا قليلا، والفرق بينهما ان الخطوة قصيرة الى القلب طويلة الى السماء، وقيل انه فعل الهي، فالله يحب ولا يحب، وعدم الحب وجه آخر للحب، كراهية الظلم حب للعدل وكراهية الاختيال حب للتواضع، كما انه فعل إنساني، فالنفس الإنسانية مفطورة على الحب لأنه من أهم محركاتها، وهذا النوع من الحب - خاصة في اطاره بين الرجل والأنثى - لا يتعلق به حكم شرعي لأنه مكنون في صدر الشخص وإنما ما يتعلق به الحكم هو نتيجة هذا الحب الساكن في الفؤاد.
في القرآن الكريم ثمة أصناف ثمانية يحبهم الله تعالى، هم: المحسنون والمتطهرون والمتقون والمقسطون والتوابون والصابرون والمتوكلون والذين يقاتلون في سبيله، وثمة أصناف من البشر لا يحبهم (عددهم 14 صنفا) منهم: الكافرون والمعتدون والظالمون والمفسدون والمستكبرون وغيرهم، وعليه فحب الله تعالى لعباده مشروطة بالطاعة وبالإيمان (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) وبهذا فبمقدار ما نحب الله تعالى بمقدار ما ننال رضاه وحبه، فالحب الإنساني مقدمة والحب الإلهي نتيجة.
إذا تدارست أسماء الله تعالى وصفاته - كما يقول ابن قيم الجوزية - نشأت بينك وبين الله تعالى علاقة والعلاقة هي اول مراتب الحب، فان تعلق قلبك بالله وعلق حبه بقلبك وصلت الى محبته، والمحبة كلمة تعجز عن وصفها الألسنة، وهي من اجلّ الأشياء التي يتصف بها الإنسان.
وحب الانسان لله تعالى غاية وهو مطلق ايضا، فكل ما يعتري النفس الإنسانية من أشواق الى أنواع الجمال الكوني هو من تجليات حب الله، وهذا ليس مقصورا على الحواس فقط، بل ان البصيرة الباطنة والوجدانية أقوى إدراكا وتأثرا بهذا الجمال الذي يقود الى الحب.
لا يمكن أن نتذوق الحب - بمعناه الإنساني المتبادل بين الناس - إلا اذا عرفنا الله وأحببناه، إلا اذا أدركنا جمال الكون، إلا اذا كان هذا الحب مصدرا للالتزام كما ان العقل مصدر للإيمان. لكن أليست هذه الكآبة التي نعيشها سببها الأهم فقرنا (للحب) وتصحّر مشاعرنا تجاه الخالق والعباد ايضا؟.
الدستور