ماذا يريد الأردنيون في هذه المرحلة؟
اعتقد ان هذا هو السؤال المركزي الذي يفترض ان نتوجه للإجابة عليه بلا ارتباك ولا مجاملة، ولكي نجيب عليه بأعلى مستويات المسؤولية لا بد ان نحرر نقاشنا العام من الإصابات والأخطاء التي طرأت عليه، ومن حالة «التشتت» المقصود وغير المقصود الذي وزع، اهتماماتنا واتجاهاتنا.. وأربكنا أيضا.
لا أريد - هنا - أن اذهب الى تشخيص حالة «التشتت» وفقدان التوازن التي يعاني منها مجتمعنا وهو يحاول ان «يستبصر» ما يريده فعلا وما يسعى الى تحقيقه، فعناوينها معروفة للجميع ابتداء من الاختلاف على لون «الإصلاح» ومساراته وأولوياته وأدواته، وصولا الى «استدعاء» ما يلزم وما لا يلزم من «أزمات» وفزاعات وقضايا هامشية لحرف النقاش العام حوله وتشويهه، ولكنني استأذن في التنبيه الى ان الاستمرار في هذا المسار الخاطئ سيكلفنا جميعا أثمانا مضاعفة، وسيضعنا أمام أسئلة أخرى مفزعة قد لا نستطيع الإجابة عليها أو استدراك مآلاتها المزعجة.
السؤال الأهم الذي يجب ان نتوافق عليه هو: كيف يمكن «ضبط» إيقاع الحوارات والنقاشات وإدارتها باتجاه «إنضاج» مرحلة جديدة للتحول الديمقراطي والإصلاح في بلدنا، وعلى من تقع مسؤولية إدارة هذا «النقاش» وتوجيهه وحشد ما يلزم من جهود لتحقيقه بأسرع وقت، وبأقل كلفة؟.
لا شك بأن الإجابة على سؤال «الكيفية» سيرتبط حتما بقدرة السياسي والإعلامي معا على انتاج حالة «التوافق» المطلوب، وعلى إبراز الهدف الأول والحقيقي الذي يريده الناس للخروج من إطار «الانتظار» والاحتقان والاستقطاب والتخوف الى إطار «الأمل» والفعل واليقين السياسي الذي يطمئن الجميع على حقوقهم ومستقبلهم وقدرتهم على الانخراط في مجتمع يكفل لهم تحقيق مطالبهم وأحلامهم ايضا.
لا اعتقد - هنا - أن وصفات الإصلاح السياسي - على أهميتها وأولوياتها - يمكن أن تثمر وتنجز ما نريده، اذا لم تترافق وتتزامن مع وصفات حقيقية لإصلاح «المجتمع»، أعني «إصلاح الأذهان والأفكار والقيم والعلاقات الاجتماعية»، وإذا كان الإصلاح الأول (السياسي) هو العنوان الذي ننشغل به الآن، فان غض الطرف عن الإصلاح الآخر (الاجتماعي) سيجعل من تحقيق أهداف «السياسة» (على افتراض حسن الإرادة والنوايا) مسألة صعبة وربما مستحيلة، وقد رأينا بأعيننا كيف استخدمت «الفزاعات» الاجتماعية لإعاقة مسار الإصلاح السياسي، وكيف يمكن لأي إصلاح سياسي اذا ما أنجز ان يتحول الى «جثة» ما لم يجد «رافعات» اجتماعية تحمله وتدافع عنه، من منطلق إيمانها به وإصرارها على مواجهة من يتصدى له، لسبب بسيط وهو انها تصبح مقتنعة به وتشارك فيه، وتراه يحقق مصالحها وآمالها، ويصنع «لأبنائها» مستقبلا أفضل من ذلك الذي أتيح لآبائهم ان يعيشوا فيه.
بصراحة، أدعو «الفاعلين» في ميادين الإعلام والسياسة الى تحرير نقاشاتنا العامة من العناوين غير الضرورية، ومن التفاصيل التي أربكتنا، ومن الاختلافات التي تشتت أفكارنا واهدافنا، وادعوهم الى «إدارة» النقاش حول موضوع محدد هو الإصلاح بكل ما يتضمنه من مفاصل تمس قضايانا الأساسية، ومرتكزات تخدم الانتقال الحقيقي «للدولة المدنية الديمقراطية»، اما الحسابات والاجتهادات والمطالب الاخرى فيمكن تأجيلها، على اعتبار ان «تحقيق الإصلاح الحقيقي» سيحلها تدريجيا وسيجنبنا من الجدل الطويل حولها الآن.
لكي يكون طريق الإصلاح معبدا لا بد ان نسير في ثلاثة اتجاهات تقنع الناس بان «تربة» التغيير أصبحت مناسبة للاستنبات: اتجاه التشريعات بما يتضمنه من «تحديث» لكافة القوانين التي شكلت فيما مضى «قيدا» على الحريات السياسية، وحاجزا أمام الانخراط في العمل العام، ودافعا للعزوف عن المشاركة في التنمية والتحديث، واتجاه المقررات بما يستلزمه من تجاوز لحالة «الانتظار» والحديث الطويل عن «الإصلاح» الى حالة الفعل وتحديد المطلوب وتوقيت انجازه وإجراءات تنفيذه، وأخيرا اتجاه «الممارسات» بحيث نبدأ بتغيير الطواقم والوجوه التي أفسدت الطبخة السياسية فيما مضى، وتغيير «قواعد» اللعبة التي أربكتنا في الماضي، وتغيير الديباجات التي لا تتناسب مع مرحلة التحول الديمقراطي بكل ما فيها من مفردات وخطابات وأنماط عفا عليها الزمان.
الدستور