يحدث في صالونات تجميل الفساد
تستطيع الدولة – متى أرادت - أن تفرض رقابتها على من تشاء، وان تضرب بيد القانون على من يتجاوز مهما كان وزنه ومكانته.
في مرحلة «البحث» عن الإصلاح نحتاج للتذكير بهذه البدهية ، أما المناسبة فهي ما يدور من سجالات في الفضاء العام عن أموال الفساد التي وزعها بعض المسئولين السابقين على «الكومبارس» الذي تولى الدفاع عنهم والترويج لمواقفهم ، ووضع نفسه في خدمة «فسادهم».
مطلوب أن نصوب أنظارنا ونشير بأصابعنا لمن اعتدى على المال العام ، لكن مطلوب أيضا أن لا نغض الطرف عن « إفساد « استهدف شراء ذمم الناس ومواقفهم وأصواتهم، فافرز ما نعانيه من مجالس نيابية ضعيفة او من إفقار للحياة العامة، او من تدمير لمؤسساتنا واغتيال لشخصياتنا او من عبث في قيمنا الوطنية ، «الإفساد « هنا هو الأخطر لأنه يعمم الظاهرة وينشرها وسط المجتمع ويصنع لها ما يلزم من حواضن وأصوات تدافع عنها ، وتحميها من عيون الحاسدين (!).
استدعاء القانون لمحاسبة هؤلاء الذين فسدوا وافسدوا ضروري بالتأكيد، لكنه لا يكفي، فعيون القانون مهما كانت مفتوحة لن تستطيع أن ترى كل هذا الخراب المعلن والمخفي، وبالتالي لابد من التوجه لإحياء الضمير العام لدى المجتمع، بكل ما لديه من طاقة وقوة وصحوة، ذلك انه اذا لم تتحرك في المواطن – أياً كان موقعه- نزعة «الغيرة» على المال العام، فإن ملفات الفساد والإفساد، وصفقاته المشبوهة ستظل تدور داخل الأدراج وفي الغرف المغلقة دون أن يكشفها أحد، ودون ان يتحقق حلم الناس برؤية «رؤوس» الفساد ومريديهم واقفين أمام موازين العدالة لكي ينالوا حظهم العادل من العقاب.
اشعر «باهانة» شخصية كلما قرأت او سمعت عن حالة من «الإفساد» الوقح الذي تزاحمت ملفاته علينا حتى لم نعد نملك القدرة على متابعته ( خاصة اذا كان المتورطون فيه من طبقة الصحفيين والمثقفين )، ومع أن أي من هذه «الملفات» لا تربطني بالمتهمين فيه اية علاقة، ولا يترتب عليّ شخصيا اية آثار، الا أنني اعتقد بأن كل من مارس الفساد وكل من «قبض» من الفاسدين ، أهاننا جميعاً، وبالتالي أصبح من حق كل أردني أن «يرد» هذه الاهانة بالإلحاح على إقامة موازين العدالة ومحاسبة هؤلاء الذين أساؤوا للبلد، وافسدوا حياتنا وضمائر البعض منا وذممهم.
أتساءل أحيانا : هل مكافحة الفساد مطلب شعبي ام لا؟ وهل ثمة فساد مطلوب «للمكافحة» وآخر مسكوت عنه؟ هل يتعلق الأول بصغار المفسدين من طبقات العمال والموظفين والآخر بالكبار الذين تصعب مساءلتهم او حتى الإشارة إليهم بإصبع «من أين لك هذا؟» ثم لماذا أصيب مجتمعنا بهذه الازدواجية التي «شطرت» مواقفه الى درجة التناقض ، هل المشكلة في مزاج المجتمع وحساباته ومصالح بعض أفراده ام في المقررات التي تصدر ، والإجراءات التي تتخذ والأولويات التي تقدم؟.
مهما تكن الإجابة فان مشكلتنا مع الفساد لا تتعلق فقط «برهط» من المسئولين الذين استغلوا صلاحياتهم فامتدت أيديهم الى المال العام، وتورطوا في النهب والكسب غير المشروع، وإنما ايضا مع حالة الإفساد التي مارسوها لشراء ذمم الآخرين، وإشاعة ثقافة الفساد في مجتمعنا وصناعة «طبقة» جديدة من «الأتباع» والمريدين الذين وظفوهم واستخدموهم لتلميع «صورهم» والتغطية على تجاوزاتهم وإقناع الرأي العام بأنهم الاحرص على مصلحة الوطن.. والأكثر إخلاصاً وانتماء إليه، هؤلاء من طبقة» رعاة الفساد « والعاملين في صالونات تجميله وتسويقه هم الذين يجب ان يصار الى فتح ملفاتهم وكشف حقيقتهم ، ليس فقط لأنهم محسوبون على جبهات التوجيه العام ، سواء أكانت الثقافة او الإعلام او الدين ، وإنما لأنهم يتحملون مسؤولية هذا الخراب الذي وصلنا اليه بالشركة والتضامن مع «رعاتهم» الفاسدين .
الدستور