الإدارة الأمريكية تعيــد اكتشـاف حل الدولتين
بنفس المنهجية وجولات وزراء الخارجية ثم المبعوثين المكلفين بتحريك المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي بدأت إدارة الرئيس جون بايدن سادس رئيس امريكي منذ انعقاد مؤتمر مدريد للسلام ربيع عام 1990 تحركاتها للبحث عن سبل اعادة تحريك مفاوضات السلام للتوصل لإنهاء النزاع واقامة سلام دائم على اساس حل الدولتين.
تكرار الحديث عن هذا الحل بعد هذه المدة الزمنية الطويلة جعل منه فاقداً للمعنى السياسي او القادر على الانجاز، وعلى امتداد السنوات الماضية قامت إسرائيل بكل ما تستطيع على الارض لمنع اي احتمال للتوصل لهذا الحل في ظل صمت ومباركة وتأييد علني للإجراءات الاسرائيلية والتي وصلت الى اعلان ضم مدينة القدس واعتراف واشنطن بها عاصمة لإسرائيل.
بعد كل ذلك، هل ما زال الحديث عن حل الدولتين ممكناً او قابلاً للتحقيق في ظل وجود اكثر من نصف مليون مستوطن في الضفة الغربية ومصادرة أكثر من نصف اراضيها عبر الجدار العازل او عبر المستوطنات؟، ام سيكون حل الدولتين مرتكزاً على الخرائط التي اعدها جاريد كوشنر مستشار الرئيس الاسبق دونالد ترامب وصاحب مشروع صفقة القرن الذي سقط مثل كثير من المشاريع غير الجدية التي اقترحتها الادارات الامريكية المتعاقبة لإحلال السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين؟.
الثقة بجدية عمل الادارات الامريكية من اجل احلال السلام في المنطقة مفقودة والاقتناع بان كل ما تريده هذه الادارة هو استمرار التسويف ومزيد اضاعة الوقت لإعطاء اسرائيل فرصا جديدة ومتواصلة لفرض امر واقع يحيل الاراضي الفلسطينية الى ما يشبه التجمعات البشرية الفاقدة لملكية الارض والمسيطر على اغلب اجزائها من المستوطنات، كل ذلك يلقي ظلال شك على هذه التحركات بغض النظر هل ان المبعوث الامريكي الجديد للمنطقة من اصول عربية او غيرها فبعد تجربة انتخاب الرئيس أوباما الذي صفق له العرب طويلا وكانت نتائج حكمه كارثية على المنطقة يصبح هذا التعيين غير مثير للحماسة او العواطف في ظل تاريخ معروف للمبعوث الامريكي في زمن إدارة الرئيس اوباما ومشاريع الفوضى الهدامة التي اراد فرضها في المنطقة.
على الجانب الاخر يقف نتنياهو والقوى السياسية في إسرائيل في زمن التيه وفشل إدارة الحكم وتحول فكري متصاعد باتجاه اليمين والتطرف مقابل غياب جدي لكل قوي قادر على الحديث او الفعل والسير نحو السلام؛ ما يعني أن إسرائيل اليوم لا منظومة حكم فيها قادرة على اي فعل في السلام او في الحرب واقصى طموح الطبقة السياسية فيها ادارة شؤون المرحلة بشكل يومي لا يغير شيئاً في واقع المنطقة.
ما جرى في الشيخ جراح ثم داخل اسوار المسجد الاقصى وبعد العدوان على غزة حرك ادارة الرئيس بايدن التي اخرجت من ملفاتها القديمة
مشروع حل الدولتين لتعيد طرحه في طبعة جديدة لنسخة قديمة لمشروع فشل في تحقيق اهدافه، وهذا يظهر أن الحماسة السياسية التي فرضتها الاحداث لن تستمر طويلاً باعتبار ان اهتمامات الادارة الامريكية الحالية بعيدة عن موضوع الشرق الاوسط وتحقيق السلام.
صمود اهالي الشيخ جراح وهبة القدس ومعارك غزة حققت مكتسبات مهمة في إظهار فشل إسرائيل وعجزها في مواجهة ارادة الشعب الفلسطيني القادرة على فرض رؤية للسلام في المنطقة بعيدة عن بيع الوهم وحديث الادارة الامريكية التي ستسعى لتحقيقه في المنطقة، والاهم من كل ذلك فإن اعادة اللحمة والمتانة للعلاقات العربية ـ العربية التي اهتزت بعنف في السنوات العشر الماضية سيشكل بوابة حقيقية لدفع السلام بعيداً عن التسويف.
الدستور