تونس: نهاية الربيع العربي
هل صار بوسعنا الآن أن «نسدل « الستارة على آخر فصول الربيع الذي أسميناه عربيا، ثم نقدم واجب العزاء للذين استبشروا به وراهنوا عليه..؟.
ما حدث في تونس، «الاستثناء» العربي الأخير، ربما يدفعنا إلى ذلك، أعرف أن البعض يتشوق لسماع مثل هذه الأخبار، وان آخرين سيصابون بالصدمة حتى لو كان لديهم بصيص أمل، لكن ما يدفعني إلى المجازفة بمثل هذا الاستشعار مسألتان: إحداهما تتعلق بما صنعته ثورات «الربيع» العربي من «انقسامات» وحروب مدمرة داخل مجتمعاتنا، لا على صعيد النخب والقوى السياسية فقط، وإنما على صعيد الشعوب أيضا، ومن أسف أننا وظفنا كل ما نملكه من موروث تاريخي وديني، وتكنولوجي أيضا في «تمكين» هذه الانقسامات وتعميقها داخل تربة مجتمعاتنا، ومع أن تاريخنا العربي لا يخلو من «فصول» المحن والفتن، إلا أننا هذه المرة، بما نملكه من أدوات ومكدسات «حضارية» أنجزنا «محنة» غير مسبوقة، لدرجة أن ما فعلنا بأنفسنا تجاوز ما فعله أعداؤنا بنا، وبأن ما كنا نظنه وعياً استعدناه، وحرية انتزعناها، تحولا إلى «وهم» أغرقنا جميعاً، واستبداد من نوع جديد صنعناه بأنفسنا.
أما المسألة الأخرى فتتعلق بدخول «الأجنبي» أيا كانت هويته وجغرافيته، على الخط، وكأنه قد صحا على ما حدث في في هذه البلدان من تحولات فقرر أن يجهز عليها ويعيد عقارب الساعة الى الوراء، ولا نحتاج هنا الى المزيد من الأدلة، ذلك أنه لا يسعد هؤلاء أبداً أن تلوح في أفق بلداننا أية إشارة للحرية أو للديمقراطية.. كما انه لا يمكن أن يوافق على بروز تيارات وطنية مستقلة تحكم باسم إرادة الشعب، ومع أننا كنا - فيما مضى - نراهن على قدرة «الشعوب» على انتزاع حقوقها، إلا أن هذه الرهانات ما تزال في إطار الأمنيات.
ربما يعتقد البعض ان ما جرى أمر طبيعي، فالتحولات الديمقراطية لا تكتمل في جولة أو جولتين، ولا تعدم من يحاول «إجهاضها»، سواء من الداخل أو من الخارج، والشعوب تخوض تجاربها وتدفع أثمانها لكنها لا تستسلم لما يقرره خصومها من نتائج، هذا صحيح - بالطبع - لكن كم نحتاج من الوقت حتى تتهيأ مجتمعاتنا لترميم ذاتها، وإصلاح ما تدمر من بنيتها الثقافية والأخلاقية، ثم أين هي النخب والقوى السياسية التي تستطيع ان تقود وتغير «الصورة»، وقبل ذلك كيف سنتصدى «للآخر» المتربص ونحن ما نزال على «ضعفنا» وأيدينا مغلولة إليه.
ليست هذه دعوة للإحباط والتيئيس، ولكنها «صرخة» للمكاشفة ومحاولة «للتبصر» وإعادة النظر والاعتبار، خذ - مثلا - خطابنا البائس - سواء أكان بلهجة يسارية أو إسلامية - أيعقل ان يبقى كما هو قبل التحولات وما بعدها، خطاباً انتهازياً ويرفض الآخر ولا يؤمن «بالتوافق» ولا علاقة له «بالضمير العام»، خذ - أيضا - هذه البنية الثقافية والاجتماعية الهشة التي حولت مجتمعاتنا الى «مطية» تركبها وسائل الإعلام، وتتلاعب بها «أهواء» الغنائم السياسية، وكأنها مجرد صدى لما يقال، وخذ ثالثاً هذا «الاشتباك» المخجل بين علماء الدين الذينانقسموا إلى «فسطاطين»، وكأنهم خرجوا من المقابر، أو كأننا من العصور القروسطية.
إذا أردنا أن نخرج من هذا «الوهم» ونضمن لشعوبنا أن تستعيد عافيتها من اجل الحرية والكرامة والعدالة، فمن واجبنا أن نصارحها بأنها «رسبت» في الامتحان الأول، وأننا مدينون لها بإعادة الجولة، لكن على أسس أخرى، تماماً كما فعل غيرنا، حين استلهموا السلمية و»التوافق» وقيم السماحة والعفو من الدمار الذي خلفته الحروب فيما بينهم، وخرجوا من «محنة» الحروب والصراعات إلى «نعمة» الديمقراطية.
الدستور