البخيت و " البصلة "

المدينة نيوز – خاص – داليدا العطي - : إذن ، فقد انتصر البخيت على الجميع ، وها هو ينجو من الكازينو ، ومن الإستقالات الفجائية التي اتخذها خصومه ، وعلى رأسهم طاهر العدوان الذين اعتقد بانه سيقفز من مركب غارق لا محالة ، ليتفاجأ بأن المركب تغلب على كافة الأمواج العاتية ( حتى الآن ) ونجا إلى الشاطئ بتأن وتؤدة وترو وانتصار ، بينما وقف غرماؤه في النواب والصالونات والوسط الصحفي يعضون أصابع الغيظ ، كون رئيس الحكومة فرك بعيونهم " بصلة " .
قد تستسخفون المفردة الأخيرة والمثل الدارج ، ولكن ما من عبارة تشفي الغل انجع منها .
فرك البخيت بعيون خصومه بصلة ، وعدل حكومته، مما يعني أنه فاز بثقة ملكية جديدة رغم كل ما قيل فيه وعنه طوال الأسابيع الماضية .
قد لا تهدأ العواصف حول الرجل ، ولكن السماح له بالتعديل رسالة قوية يجب أن يفهمها الخصوم ، خاصة أولئك الذين لا يعجبهم العجب ، ولا الصيام في رجب .
كانت كل الصالونات السياسية مفتوحة طوال الليل ، أيام العطل وايام الدوام ، وكلها ليس لها من سيرة سوى : من الرئيس القادم ، ماذا تقولون بفلان ، وماذا تحكون عن علنتان ، وبدأ رؤساء حكومات يطلون علينا بمحاضرات وندوات إلخ ... وثبت بالمطلق أن الصالونات عمياء وصماء وما تزال تعيش في الحقبة السابقة ..
سبق وقالها الملك عبد الله الثاني ذات يوم " أنا لست أبي " ..
فبالرغم من أن الملك يقدس أباه ويعيش حبه في السر والعلن ، إلا أنه ليس اباه في طريقة الحكم ، فلكل سبيله وأسلوبه ، ولنلاحظ كيف أنه حتى في قانون العفو العام قال : " إن القانون لم يكن ضعفا " ليذكر كل من اعتقد بذلك أو مجرد فكر فيه بأنه كلام بعيد لا صدى له سوى في نفوس مطلقيه .
وعندما جزمت رندا حبيب ذات يوم بأن رئيس الحكومة هو ناصر اللوزي ، وأكدت خبرها بأنه هو لا محالة ، وأنها تؤكد خبرها مرة ومرة ، إذ بالجميع يفاجأ بسمير الرفاعي .
الملك يثق برئيس حكومته ، ولا بد أنه راقب ما قيل فيه عبر البرلمان وعبر الصحف وعبر المسيرات حتى ، ولكنه ، وطالما أنه بـُرئ بطريقة ديمقراطية من قضية الكازينو ، فإنه جدد الثقة فيه ، ومنحه هذا النصر المؤزر والذي يحق للبخيت أن يقول لهم : خذوها ، لا أريدها ، وأروني من سيأتي بعدي ماذا سيفعل بملفاتي التي لم تسمحوا لي بفتحهاجراء شغبكم الذي لا يتوقف ..
وأستغرب : كيف ان الكل يدعو إلى الإحتكام للديمقراطية ، وعندما ينتهي التصويت ، إذ بالعرفيين ينسلون من كل حدب وصوب ، فيغضب الغاضبون ، ويستقيل المستقيلون من النواب " لمجرد تسجيل مواقف " ..
وعندما يقف رجل بقامة محمود الخرابشة القانونية ، ورجل بقامة الدغمي القانونية والعدلية ، ونائب بقامة عبد الله النسورالسياسية والبرلمانية ويتحدثون أنه لا أدلة على الإدانة ، فإن هذا يعني انه لا أدلة على الإدانة ، وعلى كل من يريد ان يركب البحر أن يأتي بزوجين اثنين من الأدلة ، لان الواحد أصبح قابلا للقسمة ، حتى لو رسا على " جودي " اليقين .
والمضحك : أن بعض الذين استقالوا من النواب لا يعنون ذلك أقول " بعض " ولا أعمم ، فهؤلاء الذين ركبوا الموجة أرادوا ان يسجلوا مواقف مع علمهم بان الدورة الإستثنائية لا ينظر فيها إلا بما صدرت به إرادة ملكية ، وإن أي أمر جديد يتطلب إرادة ملكية جديدة والإرادة الملكية تقدم بطلب من رئيس الحكومة ، مما يعني ان استقالاتهم بحاجة إلى دورة عادية لتعرض على المجلس وتفوز بأغلبيته وهو أمر بحاجة إلى أشهر ، هذا إن ظل عمر المجلس غير مقصوف ، وشعره غير منتوف .
حلو السجع .
لقد فاز البخيت بالضربة القاضية على كل خصومه ، ولو شعر الملك بأن الرجل فاسد لما ابقاه لحظة ، ولكن العدل هو أساس الملك ، والملك لا يريد ان يظلم رئيس حكومته الذي قرر بنفسه أن يدرج الكازينو ضمن الدورة الإستثنائية .
وإذا افترضنا أن هذه الضربة لم تكن قاضية ، بل انعكست تصعيدا ضد الرجل ، فلا بد ان خصوم البخيت من صحفيين وكتاب ونواب وسياسيين وغيرهم سيبحثون عن ذرائع أخرى ، ولأن الرجل عسكري فإنه لا يستسلم البتة ، مع أن تغيير البخيت تحصيل حاصل في أي ظرف سياسي يراه صاحب القرار ضروريا للتغيير ..
من تبعات تعديل الحكومة : أنه أنهى ثلثي قصة شاهين التي يتحمل وزرها وزير الداخلية السابق ، ولا أحد سواه .
خرج الحسبان ومجلي والعدوان ، وفاز بهذا الخروج الأول والثاني ، وخسر الأخير ، نعم ، خسر الأخير ، لأنه قفز في لحظة كان المركب فيها بأمس الحاجة إليه :
قفز فتم القفز عنه ..
هكذا هي طبائع الاشياء .
الزميلة داليدا العطي