التـرابـــــط العائـلــــي بيــن الماضــي والحـاضـــــر
بيــت متواضــع وبســيط , صغيـــر بمـسـاحتــه ,ومـع ذلـك كــان يتســع لعائلــة مهمــا كبــر عــدد أفـرادهــا , لأنــه كــان يحمــل الــدفء بيــن جــدرانــه للجميــع , يتبــادلون فيــه البســمــة وألعـاب التسـليــة والكلمـــة , لا يخــرج أحــد منهــم إلا وانتظــروه حتــى يعــود , ولا مــريــض إلا والتفــوا جميعــا حولــه كــل يرعــاه ويخدمــه , بكل ما يملــك ويستـطيــع , حتـى يشــفــى ويعــود إلـى ســابق حالــه .
وعلــى ضــوء النجــوم , وســكون الليــل , وإبريــق الشــاي الـذي تجهــزه الأم , بعــد أن إفتـرشــوا (حــوش) أو مـدخل البيــت , تلتقــي العائلــة , كـي يسـهـروا ويتسـامـروا ســويــا , وقــد يــأخــذ النعــاس أحيـانــا بعضهــم , خاصــة الأطفــال , فيسـتسـلمــون للنــوم , وقــد يبقــوا في مكانهــم حتــى الصبــاح .
كــان قـطبــي العائلـــة , أي الوالــد والوالــدة , همــا الحكيمــيـن والحـكميــــن لأفرادهــا , يقــدمــون النصــــح والمشــــورة لكــل فـــــرد يحتاجـهــا, ويفصلــون في كل موضوع أو خــلاف يصعــب حلــه منهــم , ويؤمنــون للبيــت كــل حاجــة لــه من الغــذاء والكســاء , وطبعــا لا يقــف باقــي أفــراد العائلــة متفرجيــن , بل كل واحــد يقــدم ما يســتطيــع ماديــا , او خــدمــة حســب إمكانيــاتــه وقــدراتــه.
الجميــع همهــم واحــد , فرحهــم وترحـهــم مشــترك , والتعــاون في توفيــر التزامات البيــت عامــة مشـتركــة , وإن كان التعليــم الجامعــي آنــذاك كان محــدودا , ولا يكلــف مثــل ما يكلفــه الآن , الا أن من أكمــل دراســته الثانويــة , كان يجــد الفرصـــة لتكملــة دراســته في الجامعــة بتعــاون الجميــع في ذلـــك .
ذاك مــا كــان في الزمــن الماضــي المنظــور ,أمــا في هــذا الزمــن , الذي تغيــرت فيــه أشــياء ومفاهيــم كثيــرة , فلــم يعــد البيــت مهمــا كبــر صالحــا كـي تقيــم فيــه أكثــر من أســرة واحــدة , فـتفــرقـت العائلــة , بعد أن أخــذ كل من أقــدم على الزواج يبحــث له عن ســكن خــاص إن كان بشــراء بيــت أو اسـتئجــاره , ليقيــم فيــه عنــدمــا يجـــد عــروســه , دون اكتــراث إن كــان ذلك البيــت قريبــا أو بعيــدا من الأهــل أو الأقـــارب .
ولذلــك أخــذت المشـاكـل الأســريــة تـزداد بعــد أن تفـككــت العائلــة عمليــا , وكــل واحــد أصبــحــت الأولويــات له , توفيــر حاجاتــه وحــاجــات أســرتــه , دون الإلتفــات الى غيــره مــن الأقـــارب إلا مــا نـــدر .
وكــان نتيجــة إبتعــاد الأســر بعضهــا عن بعض , أن خـفــت العاطفــة بينهــا , وزادت المشـاكـل بين أفراد العائلــة , خاصــة من الأســر التي تشـكو الحاجــة , ولا تجــد من الأســر الأخــرى من يخــفـف عنهــا ويسـاعـدهــا في تذليــل تلك المشـكلــة .
وهـكـذا أصبحـنا نعيــش في عصــر مــادي , لم تعــد صلــة القربــى هـي العامـل المشـترك الذي يربط الأخ بأخيــه , والأبــن بأبيــه , بقــدر ما أصبحــت المادة , هي التي تربــط , وهـي التي تفــرق , بســبب نظــرة كـل واحــد إليهــا , ومقدار تطبيقــه للشـرائع السـماويــة , التي تحـض على صلــة الرحــم , وتقــديم المسـاعدة ممن يملــك الى من لا يملــــــــك .
إن الوضــع الإقتصـادي الصعب , والذي انعكس سـلبـا على عائـلات كثيـرة , خاصــة وان الخدمــات أصبحــت تقــدم بثمــن كما هــو حال الصحــة والتعليــم , عنــدمــا وجــدت بعض الأســر صعوبــة في توفيــر تلك الخدمــات لأبنــائهــا , كما هــو الحال بالذات في التعليــم الجامعــي , الذي أصبــح عــبء ومن الصعوبــة توفيــره بالنســبة للأســر التي تشــكو من قلــة الدخــل , وتكاليفــه يمتـص معظــم دخل الأســرة , علمــا بأن بعــض الأســر لا تسـتطيــع أن تدرس أبنـائهــا , مما تسـبب في حرمــان الأبنــاء من الدراســة , وتولــد عن ذلك حقــدا وغـضـبــا , وظهــور خـلافــــات ومشـاكل بينهــم وبيـن الأســر الأخــرى التي تملك من المسـاعدة , وبقيــت واقفــة لا تحــرك ســاكنا في مسـاعدتهــم .
إن ذلك يحـتـاج الى إعــادة النظــر في أحيــاء العلاقــات الحميمــة السـابقــة , بإيجــاد التكافــل والتعاضــد العائلــي المفقــود , لتذليــل تلك العقبــات , وترســيخ مبــدأ المحبــة والتعــاون والإنتمــاء بين الأســر الواحــدة , كما كــان في الماضــــي .