درس من اليونان! السكك الحديدية مثالاً
سقوط اليونان في أزمة مالية ، واضطرارها للخضوع لشروط قاسية يفرضها الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي مقابل تقديم حزمة إنقاذ ثانية بحوالي 120 مليار يورو. هذا المصير المحزن لم يحدث بالصدفة أو سوء الحظ بل هو نتيجة طبيعية للسلوك الاقتصادي غير المدروس للحكومة اليونانية ، التي كانت تستدين بكثافة لتشتري المزيد من الوقت ، وترحل المشكلة إلى المستقبل. المستقبل حضر الآن ، ومعه الثمن الباهظ الذي سيدفعه الشعب اليوناني الذي كان موضع دلال من جانب حكومته لتضمن الفوز في الانتخابات والاستمرار في السلطة.
في أحد مؤشرات الوضع الاقتصادي في اليونان ، تقول الإيكونومست: إن وزير مالية يونانيا سابقا كان قد قال قبل سنوات أن الحكومة سوف توفر الملايين لو أنها أغلقت شبكة السكك الحديدية التي تربط المدن اليونانية ببعضها وتربطها بأوروبا ، ثم نقلت جميع الركاب بتاكسيات الأجرة إلى حيث يشاؤون على حساب الحكومة!!.
تضيف المجلة الرصينة أن الوزير اليوناني المشار إليه كان متفائلاً ، فالأمور أسوأ بكثير مما كان يظن ، ذلك أن مجموع الأجرة التي دفعها الركاب والشاحنون لشبكة السكك الحديدية خلال سنة 2009 بلغ 174 مليون يورو (250 مليون دولار) في حين أن رواتب وأجور العاملين في الشبكة بلغت 246 مليون دولار ، وبالنتيجة فإن خسارة الشبكة التي تحملتها الحكومة في تلك السنة بلغ 937 مليون يورو.
الأردن يفكر بمشروع مماثل لشبكة سكك حديد تربط سوريا وتركيا بأسواق الخليج العربي عبر الأراضي الأردنية ، مما سيكلف بضعة مليارات من الدنانير ، ويحتاج للدعم الحكومي السنوي بعدة عشرات من ملايين الدنانير لمدة عشر سنوات بعد التشغيل لأن المشروع لا يستطيع أن يخدم ديونه. ويمكن أن يقال بأنه سيحتاج لدعم مالي دائم لسد خسائره.
العجز المالي وتفاقم المديونية ليست قدراً مفروضاً ، فنحن نبحث عنها ، ونسعى إليها ، ونفكر بمشروع كبير بعد آخر شريطة أن يشكل عبئاً على الاقتصاد الوطني وليس رافداً للخزينة ، ونذكر بالمناسبة مشروع المفاعلات النووية وتعدين اليورانيوم ، ولكن لها حديث آخر.
ما يحدث في اليونان يدق جرس الخطر لجميع الحكومات التي تتساهل في سياستها المالية وتتورط في المديونية ثم تطلب من الآخرين أن يهبوا لإنقاذها.(الراي)