مسؤولية الكلمة
كثيرون لا يدركون اليوم أهمية وخطورة الكلمة، في ظل اتساع فضاء تبادل المعلومات، ولا يدركون أن في القول الخاطئ أو المشبوه نتائج تصنّف في كثير من الأحيان بالخطيرة، حتى وإن كانت حجتهم بأنهم ينطقون بقولهم عبر مساحاتهم الافتراضية الخاصة سواء كانت عبر فيس بوك أو تويتر أو غيرها، ظنّا منهم ان في ذلك تبريرا لخطئهم الذي يرقى لمرتبة الجريمة في بعض الأحيان.
للكلمة اليوم شأن عظيم، ولا يمكن التعامل معها بعشوائية وتخبّط أيا كانت المساحة التي يتم التعبير بها، سيما للشخصيات المصنفيين «بالشخصيات العامّة» في المجتمع، إذ عليهم «غربلة» قولهم قبل اطلاقه للعامّة، فلا بد من حُسن الاستثمار للكلمة، وأن تكون أداة ورافعة لكل ما فيه خير للشخص نفسه وللوطن والمجتمع بشكل كامل، فلا مساحة لعدم المسؤولية بهذا الجانب بالمطلق، كما لا مساحة ولا فرصة للخطأ، تحديدا عند الحديث حول قضايا جوهرية وحساسة بنهكة سياسية أو اجتماعية.
لم تعد ردات الفعل وتأثيرات الكلمة اليوم تقف عند حدود ما يسعى إليه مطلقها، ولا حتى عند حدود متابعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بل تصل إلى مواقع لم يكن يتوقعها، وربما إذا افترضنا حسن النيّة ربما لا يريدها أن تصلها، ولكن مع الأسف تحديدا تلك الكلمات التي يراد بها باطل سرعان ما تنتشر وتتسع دائرة تبادلها، وربما تصبح «ترند» في غضون دقائق وتتوالى بشأنها ردود فعل في أغلب الأحيان لا تُحمد عقباها، كل هذا نظرا لكون عدم المسؤولية في التعامل مع الكلمة واطلاقها بعشوائية لا تبتعد عنها في بعض الأحيان غايات الشهرة والتنافس المحموم على سرعة الانتشار، ولو كان على حساب مصلحة قضية أو مصلحة وطن.
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)، وفي هذه الآية من سورة الأحزاب، توضع نقاط حروف تائهة في موضوع تبادل المعلومات والكتابة، وتبادل الآراء، وتوجيه الهي بأنه لا بد أن نتقي الله فيما نقول، وفيما نكتب سواء كان عبر العالم الإفتراضي بوسائله المختلفة، والذي للأسف تغيب عن غالبية ما ينشر به المصداقية والدقّة، أو عبر أي وسيلة لتبادل المعلومات، ففي واقع الحال يجب أن نتقي الله فيما نقول حتى نصل لإصلاح واقعنا بصورة عامة وعالم تبادل المعلومات بصورة خاصة، لنقل جميعا قولا سديدا بعيدا عن أي أجندات مقلقة أو مشبوهة حتى ولو في مساحاتنا الافتراضية الخاصة.
ربما لا يرى البعض أن للكلمة وجهين أحدهما طيب وايجابي والآخر سيء وسلبي، وبين الوجهين ألف مسار وطريقة للتعبير والحديث والكتابة، علينا تحديدا فيما نعيش من ظروف استثنائية أن نفكّر قبل القول والكتابة، وأن نبتعد عن مواطن الشبهات في تفسير أي رأي أو فكرة يمكن أن نطلقها، فمن غير المنطق أن يتحدث أحدهم في قضية حساسة وخطيرة ومن ثم يخرج بقول آخر يخبرنا أنه «لم يقصد أمرا سيئا أو سلبيا» ففي ذلك تضليل ووقوع في المحظور اللفظي وكذلك المحظور الفكري الذي يقود الجميع نحو رأي خطير يؤذي الوطن وثوابته، هي مسؤولية الكلمة التي يجب أن يدركها الجميع وإن لزم الأمر يتعلّم أبجدياتها من كافة مدارس المنطق، ففي الكلمة اليوم رصاصات إن خرجت مسكنها لا يمكن اعادتها له، كما لا يمكن تفادي أخطارها ونتائجها السلبية إن لم تكن القاتلة.
الكلمة هي وعاء لفكرة، وكذلك لفكر لا يمكن في حال كانت سيئة عزلها عن مبدأ الخوف والقلق من غاياتها، ولا يمكن أن نأخذها على محمل حسن النيّة، فوراء كل كلمة سيئة فكر سيء وخطير، وأجندات مشبوهة، وعليه لا بد من أخذ الحذر عند اطلاق أي تعابير تحديدا حول قضايا حساسة، واستشعار المسؤولية،في فترة زمنية دقيقة الحساسية.
الدستور