إيكونوميست: محو ثقافة المسلمين الإيغور مستمر في الصين
المدينة نيوز :- قالت مجلة “إيكونوميست” إن السلطات الصينية في منطقة شنجيانغ طالما عبرت عن شكها من الهوية المتميزة لسكان المنطقة وغالبيتهم من المسلمين الإيغور. ويخشى المسؤولون أن تؤدي هذه الهوية المتميزة لتغذية مشاعر الانفصال في المناطق الغربية البعيدة من البلاد. ولهذا السبب شددت السلطات منذ عام 2014 من حملتها هناك مع أنها تسامحت في الوقت نفسه مع مظاهر استعراض الثقافة الإيغورية.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر من ذلك العام بثت القناة التلفزيونية التي تسيطر عليها حكومة الإقليم برنامج مواهب جديد “صوت طريق الحرير” وقدمت فيه ألوان من موسيقى البوب وأر أند بي والمقام التقليدي بكلمات من الأشعار الإيغورية، وكان معظم الحكام فيه من المتحدثين بلغة الإيغور.
وبعد وفاة ماوتسي تونغ في السبعينات وعهد الانفتاح على العالم الذي أعقب رحيله، سمح للثقافة الإيغورية بالازدهار طالما تجنبت الحديث ولو تلميحا عن دولة مستقلة. وأنتج الكتاب والشعراء أعمالا أدبية تحتوي على الموضوعات العامة مثل الحب والفقد وكذا الاعتزاز بثقافتهم وجمعوا بطريقة مرحة ما بين المقام وهو اسلوب موسيقى وإيقاعات الهيب هوب بشكل حول عددا من الفنانين الإيغوريين إلى نجوم معروفة في الصين. وتم عرض الأغاني هذه من خلال برنامج “صوت طريق الحرير”. ولم يكن أي شيء يثير الشك أو الضيق من البرنامج، فهو تقليد لبرنامج آخر “صوت الصين” والذي لا يزال يبث حتى الآن، لكنه كان ضحية القمع الذي مارسته قوات الأمن ردا على عمليات متفرقة استهدفت ممتلكات لغالبية الهان.
ومنذ عام 2017 اختفى بعض نجوم البرنامج في المعسكرات الهائلة (غولاغ) التي أقامتها السلطات للمسلمين في أنحاء المنطقة، حيث تم احتجاز حوالي مليون شخص معظمهم من الإيغور. ويزعم المسؤولون أن المعسكرات هي من أجل توفير برامج تدريب مهني لمساعدة الإيغور على تحسين فرص العمل والحد من التطرف. لكن معظم من احتجزوا فيها لم تظهر عليهم علامات التطرف غير كونهم مسلمين ملتزمين بدينهم. وعادة كما هو الحال مع المشاركين ببرنامج “طريق الحرير” فجريمتهم هي إظهار حماس زائد عن الحد بالثقافة الإيغورية وليس فقط الإسلام.
ومن بين الذين سجنوا وشاركوا في البرنامج، ظاهر شاه أبيليمت الذي جاء في المرتبة الثانية بمسابقة عام 2014 ومختار بقرا، رجل أعمال وشاعر والذي كان مموله ورئيس الإنتاج. وأفرج عنهما لاحقا، ولا يزال في المعتقل منتج آخر وهو ميميت ( محمد) جان عبد القادر، وهو ممثل ومغن أيضا، وكذا الممثل ميخمود (محمود) جان صديق، مدير تلفزيون شنجيانغ.
ويعتقد الناشطون الإيغور في الغرب أن الاربعة هم جزء من 400 مثقف وكاتب اعتقلوا في المعسكرات الجديدة وربما نقلوا إلى السجون العادية أو اختفوا بدون أثر بعد بداية القمع. وهناك مثقفون كانوا يتمتعون بشهرة في المنطقة مثل الروائي والشاعر برهات داوود تورسون وطاش بولات طيب، رئيس جامعة شنجيانغ وراحيل داوود، العالم المتخصص في فولكور الإيغور وأبلجان أيوب، الممثل والمغني الذي يوصف عادة بأنه جاستين بيير الإيغور. وأجبر الباقون على الظهور في التلفزيون وهم يتحدثون عن مزايا الحزب الشيوعي الصين أو وهم ينشدون الأغاني الوطنية. وبدأت المخاوف تنتشر حتى قبل عرض أول حلقة من “صوت طريق الحر”، ففي أيلول/سبتمبر حكم على الباحث الأكاديمي إلهام توهتي المعروف بمواقفه السياسية المعتدلة بالسجن مدى الحياة بتهمة الدعوة للانفصال. وبدأ توهتي موقعا على الإنترنت لنشر الإنتاج الثقافي للمثقفين الإيغور وتجرأ للدعوة إلى سياسة منفتحة في التعامل مع جماعته الإثنية. واليوم فالثقافة الإيغورية المسموح بها هي رمزية ويجب أن تكون متلائمة مع النمطية التي يدعو إليها الحزب مثل الإيغور الذي يرتدون الأزياء الملونة ويبتسمون في الاحتفالات الرسمية أو الرقص في الأماكن العامة والغناء بالصينية (لهجة مندارين). وفي 29 أيلول/سبتمر وعلى هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة قدم الدبلوماسيون الصينيون فيلما احتوى على هذا الأداء والظهور المدروس للمسلمين الإيغور. وحمل الفيلم عنوان “شنجيانغ الأرض الرائعة”.
وعلى التوازي مع النمطية الرسمية بدأ المثقفون الإيغور في المنفى حملة لنشر الأعمال الأدبية للفنانين الذين يمارسون عملهم سرا في الإقليم وتحتوي قصائدهم وأغانيهم على موضوعات فيها مجازفة مثل الحديث عن العزلة والاضطهاد، كما تقول مقدس مجيد، المتخصصة في موسيقى الإيغور وتعيش في فرنسا.
ولا يزال هناك فنانون يعملون بالسر في شنجيانغ ومع ازدياد القمع أصبحت أعمالهم مشبعة باليأس والحسرة. وخرجت بعض الأعمال من معسكرات الاعتقال مثل أشعار الأكاديمي عبد القادر جلال الدين. وحفظ المعتقلون أشعاره ونشروها في الخارج. وفي واحدة من قصائده يقول ” في هذا العالم المنسي أفتقد لمسة الحبيب” و “كل ليلة تجلب أحلاما مظلمة. وليس عندي تعويذة، وكل ما أريده هو حياتي، ولست عطشانا لأي شيء، هذه أفكار صامتة عبر العذاب ولا طريق عندي للأمل”. وترجم الأشعار جوشوا فريمان من جامعة برنستون أحد تلامذته السابقين. وفي 2022 ستصدر رواية لطورسون، واحد من الكتاب المعتقلين بالإنكليزية بعنوان “الشوارع الخلفية”. وظهرت الرواية أول مرة بلغة الإيغور عام 2013. وتشبه راويته رواية رالف إيلسون “الرجل الخفي”، وهي عن رجل من عرقية لا يشعر أن أحدا يراه. ويلتقي الراوي في شارع من شوارع العاصمة أورومقي بشخص يتعهد بقطع رأس كل واحد في جنوب شنجيانع، وهي منطقة يعيش فيها الإيغور. ويختفي الرجل خلف الضباب ويعلق الراوي “سأكون أنا الشخص الذي سيقطع رأسه مع أننا لا نعرف بعضنا البعض”. وربما كانت كتابات تورسون وعلاقاته مع الشخصيات الثقافية في شنجيانغ سببا في اعتقاله عام 2018 وسجنه مدة 16 عاما. وهو شخصية معروفة في العاصمة أورومقي وكان مواقفه السياسية مقبولة من السلطات، وانتقد مرة المشاعر القومية العرقية عند الإيغور. لكن التعبير عن مشاعر الولاء للحزب لم تعد صمام أمان. وفي عام 2017 أصدر المغني شيرلي إلتيكين “أغنية لشي جين بينغ”، واحتوت على تملق زائد عن الحد للرئيس الصيني “نشرت النور في قلوب الشعب”. وعبر الإيغور بالمنفى عن غضبهم ودهشتهم من هذا المديح، لكنه لم يمنع من سجنه، ففي ليلة اعتقل ببجامته من بيته. وفي عام 2018 أوقف برنامج “صوت طريق الحرير” وعاد العام الماضي بنسخة جديدة وتعديلات. وفي الحلقة الأولى تحدث مقدم البرنامج مؤيدا إدخال الاشتراكية وحب الحزب في شنجيانغ. وفي مسابقة هذا العام غنى متسابق أغنية بلغة الإيغور تعود إلى منتصف القرن الماضي “الزعيم ماو تسي دونغ”. وهذا أمر لم يكن متخيلا في الأيام الأولى للبرنامج، كما تقول إليس اندرسون من برنامج حقوق الإنسان للإيغور في واشنطن والتي شاركت في حفلة افتتاح سلسلة “صوت طريق الحرير” عام 2014. وكانت برامج كهذه تعبر في الماضي عن قبول رسمي للثقافة الإيغورية أمام اليوم فهي دليل على القمع.
المصدر : القدس العربي