الايمان والحياء
قال تعالى: « فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ... « سورة القصص –الآية 25.
وعادت الأختان الى أبيهما شعيب –عليه السلام- فقصتا عليه قصة هذا الرجل – موسى عليه السلام- الذي سقى لهما أغنامهما. وبعد برهة من الزمن جاءته احدى الفتاتين وهي تمشي بخجل وحياء مما يدلّ على أنها خيرة البنات اللواتي يتحلين بهذه الصفة الجميلة وهي الحياء واسمها (صفورا) ألا ما أعذب وأنقى هذه الكلمة (على استحياء) وما أجمل وقعها على السمع وهي على أحسن ما تتحلى به الفتاة وهو الحياء. وذكر القرآن الكريم هذه الصفة ثناء على الفتيات اللواتي يتحلين بها.
ما الحياء
الحياء فضيلة من الفضائل وخلق من أخلاق الإسلام والايمان وهو زينة للإنسان؛ إذ يكشف عن حسن أدبه وجمال سلوكه. فعندما تظهر حمرة وجهه لعمل لا يليق به يتبين لنا أن هذا الانسان يكمن فيه الخيرة، فضميره حي إذا تحرك ورسم على وجهه هذه الصبغة الحمراء... أما ذلك الشخص الذي لا تظهر على وجهه هذه الصبغة فإنه إذا فعل فعلة مشينة أو ارتكب اثماً فيبدو بليد الشعور ميت الضمير.
الايمان والحياء ملتصقان
الحياء شعبة من شعب الايمان، والايمان والحياء متلازمان ملتصقان كالعود واللحاء... ويبقى الايمان ما بقي الحياء كالعود يبقى ما بقي اللحاء. قال –صلى الله عليه وسلم-: «الحياء والايمان قرناء جميعاً فإذا رفع أحدهما رفع الآخر». أخرجه البيهقي ورد في مشكاة المصابيح رقم (5093).
والحياء من صفات الله –عزوجل-: إن الله حيّ كريم يستحيي إذا رفع الرجل يديه أن يردهما صفراً خائبتين.
وهو أيضاً من صفات رسول الله –صلى الله عليه وسلم- (فعن أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كان أشدّ حياءً من العذراء في خدرها فإذا رأى شيئاً يكرهه عرفناه في وجهه). متفق عليه.
أنواع الحياء
الحياء أنواع منها:
1- الحياء من الله وهو الحياء السامي والله خلقنا ورزقنا وأطعمنا من خيره وعشنا في أرضه وظلّلنا سماؤه. إزاء هذه النعم لماذا لا نستحي من الله ونعمل بما يأمرنا به ونجتنب ما نهانا عنه. إن حق الله على عباده عظيم عظيم فلنسارع في الخيرات. (عن ابن مسعود –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «استحيوا من الله حق الحياء». قال: إنا نستحي من الله يا رسول الله والحمد لله. قال: «ليس ذلك ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن ما حوى، وتذكر الموت والبلى. ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا وآثر الآخرة على الأولى فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء»). أخرجه الترمذي وأحمد والحاكم.
2- الحياء من الناس وذلك بأن يتنزه الانسان عن العيوب فلا يسبّ ولا يشتم غيره ولا يتلفظ بألفاظ بذيئة ولا يذكر غيبة ولا نميمة ولا يسترق السمّع على غيره. وليقلل من حديثه في المجلس فلا يتحدث الا بالخير. قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل لسانه كما تتخلل الباقرة بلسانها». أخرجه الترمذي وأبو داود، الباقرة –لغة أهل اليمن-: هي البقرة. والمراد بالحديث الشريف هو ذم للشخص الذي يتحدث بالفتنة والشر والعبث.
3- الحياء من النفس والحياء من النفس فحياء الانسان من نفسه الا يعمل عملاً في السّر يستحي منه في العلانية وما يحب أن تسمع أذناه يتكلم به.
الحياء في مجتمعنا
لقد خُدش الحياء في مجتمعنا وتفشى الاستهتار ... فالمسؤول الذي ينطلق معربداً وراء أهوائه ومطامعه يختلس الأموال وقد نزع الحياء منه فلا يهتز قلبه لصرخة مسكين جائع أو فقير محتاج، والموظف الذي يفرّط بأداء واجبه متى يعود اليه حياؤه فيخلص في عمله، والتاجر الجشع الذي يفرض أسعاراً باهظة على بضاعته ولا يتنزه عن الغش وقد جرد نفسه من الحياء حياء من الله ومن الناس ومن نفسه.
وهؤلاء التلاميذ الذين تجردوا من الحياء وهم يتحدون معلميهم فلا يوالونهم احترامهم.
وهؤلاء الأبناء الذين تمردوا على آبائهم ورفعوا أصواتهم وعقوهم.
وهذه الفتاة التي سارت خلف الموضة العمياء فعرضت مفاتنها وتمايلت في مشيتها ورفع برقع الحياء عنها.
وبعد: فلنطهر مجتمعنا من هؤلاء العابثين المتمردين... وعلى الآباء والمربين أن يرشدوا الأبناء الى الأخلاق النبيلة وليجعلوا من الشاشة التلفازية مرآة خير وإصلاح... وليحثوا فتياتنا على التفقه في الدين؛ فالإيمان والحياء صنوان يقودان النفس الإنسانية الى أسمى الغايات وأنبل الأهداف.
اللهم قد بلغت.. اللهم فاشهد.
الدستور