المنطقة العربية بائسة ومضطربة وعلى صفيح ساخن
ماذا يحدث في المنطقة ، وكيف يقال ما لم يكن يقال من قبل ، وما هي الاسباب التي دفعت بلدانها إلى التغيير ، وأحيانا إلى نسف بعض ثوابت الماضي في اتجاه حاضر تعتقد بأنه مستقبلها وحبل نجاتها من تغييرات حتمية واقعة لا محالة ؟ .
الإجابة عن هذه الأسئلة واشباهها لخصها الكاتب الأمريكي المعروف توماس فريدمان قبل أيام في مقال له عبر نيويورك تايمز ، وجد صدى واسعا في الشرق الأوسط وفي الوطن العربي وتناولته مختلف وسائل الاعلام باهتمام بالغ ، ليس لأن كاتبه فريدمان وحق له ذلك ، ولكن لأن الاسئلة المعلقة عن كثير مما يجري وجدت لها إجابات قريبة من الواقع وتكاد تشفي بعض غليل الباحثين عن فهم ما يجري .
يؤكد فريدمان في مقاله بأن كل الشرق الأوسط يمر الآن بتحولات عميقة ، حيث يسيطر تغير المناخ على الأجواء ، بالإضافة إلى الحدث الأبرز وهو انسحاب الولايات المتحدة من افغانستان .
واعتبر فريدمان أن هذين هما العاملان الرئيسيان في التحولات المشهودة ، أو التي ستأتي .
واعتبر بأن الانسحاب كان رسالة قوية إلى العرب وغيرهم تقول لهم : "أنتم الآن وحدكم إذا أردتمونا فستجدوننا في مضيق تايوان " .. أي أن المنطقة لم تعد ذات جذب للأمريكيين ولا للقوى العظمى الأخرى نظرا لاستنزافها عقودا طويلة ووجود مناطق أكثر أهمية من مختلف النواحي .
أما عن " المناخ " .. أو قوى الطبيعة كما أطلق عليها ، تلك التي بدأت تنهش في الموارد بفعل زيادة الحرارة وموجات الجفاف وارتفاعات السكان الجنونية ونقص المياه ، فقال : إن كل ذلك جعل الشرق الأوسط مناطق غير قابلة للحياة وبائسة ومضطربة وعلى صفيح ساخن ، مما دفع بقادتها ، أو بالأحرى ، أجبرهم على هذه التحولات التي نراها سواء في العلاقات المستجدة بين الدول أو في تغيير الاستراتيجيات أو بناء التحالفات ، معتبرا أن هذه التغيرات لا زالت في بداياتها .
ولا ينسى الكاتب تذكير قرائه بأن وجود الأمريكيين في أفغانستان ليس مجرد وجود لدولة عظمى في هذا البلد لعقدين متتاليين ، ولكن لأن هذا الوجود هو الذي كان يحمي الخارطة العربية ويمنحها كل الضمانات الأمنية اللازمة مما كان يسهم في استقرارها من جهة ، ويغري بنزاعات بينية أحيانا استنادا إلى حماية أمريكية مفترضة من نوع ما من جهة أخرى ، مذكرا بمواقف اوباما السابقة وانسحابه من الشرق الأوسط ، وليس هذا فحسب ، بل مذكرا بمواقف ترامب من ايران التي لم يقم ضدها بأي عمل عسكري رغم تماديها في أعمال ارهابية في بعض الدول وقصفها المنشآت النفطية بطائرات مسيرة اعتبارا من العام 2019 وهي كما يصفها الكاتب " إشارات تحذيرية لدول المنطقة أن واشنطن لم يعد بوسعها التدخل في الحروب المشتعلة ومنها الحروب الطائفية ، ولا الحروب الأخرى ، ومشددا على ان بايدن جاء على نفس النهج .
واعتبر أن انفتاح العديد من الدول على ايران جاء سببا لهذه التحولات الأخيرة ، بعد أن وجدت هذه الدول أنه لا مفر من علاقات طبيعية مع الدولة الفارسية ، ويؤشر على ذلك انسحاب بعض الدول من ملفات ليبيا واليمن ، ونضيف هنا سوريا التي تشهد تقاربا مع محيطها وآخرها دعوة البرلمان العربي لإعادة تفعيل عضويتها وهي المهمة التي توكلت بها الأردن ومصر وفق الكاتب ، وكذلك العراق وما يجري فيه ، كما وإن ايران بأمس الحاجة لعلاقات طبيعية مع دول الجوار في ظل العقوبات وسخونة ملفها النووي الذي هو سبب صداعها المزمن .
ولا ينسى فريدمان إعادة التأكيد مرة أخرى أن عامل المناخ يدخل على خط هذه التغيرات في سياسات الدول ، ويعتقد هنا : أن الجميع بات على قناعة الآن بأن أهمية أي قائد في نظر العالم لن تكون بتقديمه علاقات وخدمات للآخرين ، بل ستكون بقدرته على توفير احتياجات بلاده والتكيف مع مستجدات المناخ وأخطاره على بلده وشعبه ، ولا بأس من إعادة التذكير بأن الماء بات شحيحا جدا في ظل وجود غالبية ساحقة في عالم أسلامي شاب ، أعمار اغلبية سكانه تحت سن الـ 30 ، ما يعني البحث والبحث المضني عن أسباب أخرى للحياة غير تلك التي عهدتها المجتمعات وأجيالها الحالية .
من هنا يفهم المراقب جزءا من طبيعة ما يجري في المنطقة وما أورده فريدمان أجاب عن عدد من الأسئلة المعلقة ، والتي باتت - نوعا ما - في متناول الفهم بعيدا عن طلاسم التحليلات الكلاسيكية والفهم الأحفوري السائد .
جي بي سي نيوز