اتقوا الله في البلد

المدينة نيوز – خاص – داليدا العطي - : في غمرة ما جرى ، وما قيل ، وما أثير من زوابع حول اعتصام ساحة النخيل ، كان لا بد لي من وقفة صمت ، لكي لا اكتب منفعلة ، فنحن – النساء – قليلات عقل ودين ، وشهادة اثنتين منا برجل .
أتحدث عن الرجل ، ولا أتحدث عن الذكر ..
عن الرجولة ، لا عن الفحولة ..
ولتسمحوا لي بأن أخالف كل من كتب أو اصطف في جهة بعينها ونبذ الأخرى أو عاداها أو قال فيها " السبعة وذمتها " .
راقبت المشهد ، وأعدت مراقبته ، وشاهدت ما جرى عبر فيديوهات أطلعني عليها الزميل رئيس التحرير لم تبثها المدينة نيوز ، ولا أظنها ستفعل لأسباب وطنية صرفة .
يتحمل المعتصمون نصف المسؤولية ، وتتحمل الشرطة النصف الآخر ..
المعتصمون الذين بدأوا مسيرتهم بدون اي اشتباك ، كانوا يهتفون " سلمية ، سلمية " وكأن أحدا يطلق عليهم النار كما يحدث في سوريا ، مما أوحى بأن الأمر مدبر ، ولو لم يكن كذلك ، لوصلوا الساحة بهتافاتهم الوطنية التي تعالت أصواتهم فيها عبر مشهد جميل : مئات الشبان يهتفون للإصلاح وللأردن ولمحاربة الفاسدين واللصوص ، وهذا مشهد يجب أن يعتز به كل اردني شريف يريد للبلد أن لا يقف جامدا في القرن الحادي والعشرين بدون أي حراك نحو المستقبل ، وأقصد هنا كل إصلاح في إطار الدستور ، وهو ما كان المعتصمون يهتفون به وله ولا أحد يزاود على وطنيتهم وحبهم للبلد ، بل بالعكس ، فإنهم ما خرجوا في مسيرتهم إلا حبا بالبلد وعشقا له وبوحا بهذا العشق على رؤوس الأشهاد .
إلا أن اكبر ما يثير الهم في اعتصام هؤلاء الشباب هو أنه يرغبون بإقامة اعتصام دائم ، والإعتصام الدائم لا يعني أن يخيموا أو أن " يسكنوا " ساحة النخيل فقط، أو غيرها ، بل جعل الساحة مسرحا لاستعراض القوة ، والمزاودة والتشويش على الأردن ومشاريعه التنموية والإصلاحية ، وهو ما يجعل كل شبكات التلفزة في العالم شاخصة في نفس المكان ، ومثبتة ومتموضعة هناك ليلا نهارا ، وعندها : خذ مزاودات ، وخذ تشويشات ، وخذ كذبا وإشاعات غير مقتصر انتشارها على الساحة ، بل في كل العالم ، وايضا : خذ ضغوطات ، ومنع مساعدات ، وتدخلات في الشأن الداخلي حتى نضحي لقمة سائغة في أفواه أعدائنا وخصومنا وكل من لا يريدون لبلدنا عزا ونموا ومستقبلا يبغضونه ونرضاه ..
إن وقع الفأس في الرأس وسمح بالإعتصامات المفتوحة ، فإن موازنة بعشرات الملايين بحاجة أن تنفق على الأمن والشرطة والسير والدفاع المدني وغيرها من أجل أن يقوم كل هؤلاء بواجبهم ، في وقت قال لي وزير المالية الدكتور محمد أبو حمور : إنهم يطفئون مصابيح الشوارع من أجل أن يوفروا على الموازنة من 7 – 9 ملايين دينار في العام ، فتخيلوا المشهد .
في الإعتصامات المفتوحة ، يصبح من طلق امرأته معارضا ولا يعجبه العجب ، وكل من غضبت من زوجها كما فعلت شقيقتي قبل أيام مناضلة قومية تريد تحرير فلسطين من ساحة النخيل ، وقس على ذلك حتى تصبح ساحة النخيل مبيتا ومسجدا ومتنزها ومنصة خطابات ومكانا للعشق والغرام والمواعدة .
في الإعتصامات المفتوحة : يصبح كل شيء مباحا ، فكل الصالونات السياسية التي تصيب التنمية في مقتل بفضل شائعاتها وكذبها وفبركاتها تنتقل إلى هناك ، ويتحول الأمر إلى مسخرة .
زد على ذلك دخول كافة الطوابير الخامسة والسادة والسابعة ، ولا تنس الموساد وكل مخابرات السفارات وعملاء العالم ، وبعدين هات دبرها .
كل ما ذكر أعلاه لا يعني أن السبب هم المتظاهرون أو المعتصمون ، بل كل من يتربص بنا سوءا وشرا مستغلا هؤلاء إلى غاياته وأهدافه وأجندته ..
أما الشرطة ، وما أدراك ما الشرطة ، فهؤلاء ، من واجبهم أن يحافظوا على الأمن ، ولكن : أي أمن ..
هل ضرب الصحفيين يعتبر حفاظا على الأمن ، وهل ضرب ورفش بطونهم وتفريقهم بالهراوات يعتبر حفاظا على الأمن ، وهل تصريح مدير الأمن العام قبل يوم الجمعة بأنه سيخبر الصحفيين إن قرر فض الإعتصام بالقوة يعتبر تصريحا موفقا ، أم نية مبيتة ؟؟ .
لقد كان تصريح المجالي تصريحا أقل ما يقال فيه : إنه تصريح غير موفق ، مع احترامي لشخصه ، فلا يحق لمدير الأمن العام أن يهدد بفض الإعتصام قبل أن يعرف أن هناك أمرا يستحق أن يفض الإعتصام من أجله ، كأن يتم ضرب الأمن في الصميم ، ولكن : هل اعتصام بضع مئات في ساحة مغلقة يعتبر زعزعة للأمن ،ألهذه الدرجة نحن دولة ورقية يا باشا ؟؟ ..
إن الأمن العام يتحمل نصف المسؤولية عن تشويه صورة الأردن في الخارج ، وإن تصعيد الزميل ياسر ابو هلالة والصحفيين يحمل المعتصمين وهؤلاء الزملاء مسؤولية النصف الآخر ، فلا يجوز لأي أردني أن يضرب سمعة بلده في الصميم ، مستقويا بقناة تلفزيونية أو غير تلفزيونية ، ولا يجوز للمعتصمين أبدا أن يثيروا الدنيا ولا يقعدوها ، إن كانوا يحبون بلدهم كما يقولون وهو ما لا شك فيه ..
ولكن :
هل كانت فتوى أبو فارس في محلها ، وهل يجوز أن تسبق موعد الإعتصام بأيام من أجل أن تصيب هدفها ، وهل سيكون أبو فارس والأخوان المسلمون سعداء لو سفكت الدماء الأردنية الزكية لا سمح الله ، أم أن هناك أهدافا لا نعرفها ..
الذي أوقد النار في البداية أبو فارس ، هداه الله ، ومن ثم المعتصمون الذين يريدون اعتصاما مفتوحا سردنا بعضا من مساوئه ، وأيضا الشرطة التي تم تجييشها وكأنهم يريدون تحرير الباقورة المؤجرة لأبناء عمومتنا اليهود ، أولائك الذين لعنهم الله وأخزاهم وأعد لهم عذابا أليما .
اتقوا الله في البلد .
الزميلة داليدا العطي