سارة أبو كف.. شابة فلسطينية من قرية في النقب بلا ماء ولا كهرباء تحصل على درجة الأستاذية

المدينة نيوز :- حينما تتوفر الإرادة تأتي الطريق، وهذه المقولة حيكت على مقاسات أمثال السيدة الفلسطينية العصامية سارة أبو كف (45) التي حازت أمس على درجة الأستاذية (درجة بروفيسور مشارك) رغم أنها نشأت وما تزال في قرية بدوية في النقب داخل أراضي 48 لا تعترف بها إسرائيل وتحرمها من الماء والكهرباء وسائر الخدمات الأساسية.

وبذلك تكون سارة أبو كف السيدة الفلسطينية الثانية في النقب التي تحظى بدرجة بروفيسور وقد سبقتها بذلك زميلتها بروفيسور سراب يونس أبو ربيعها بنت الطبيب الأول في صحراء النقب. الأستاذة الشابة في علم النفس عبر الثقافات والحضارات سارة أبو كف ولدت في قرية أم بطين قريبا من مدينة بئر السبع عاصمة الصحراء والتي تعاني التمييز العنصري الإسرائيلي السافر والبشع فهي محرومة من أي نوع من الخدمات الأساسية حتى أنها تعدم شبكة الماء والكهرباء وبدون شبكة تصريف المياه العادمة رغم أن تعداد سكانها يبلغ نحو أربعة آلاف نسمة.

يشار أن البدو الفلسطينيين في النقب يقيمون في 45 قرية لا تعترف إسرائيل بها وتحرمها من خدمات أساسية كشبكة الماء وفي سبع قرى معترف بها وفي مدينة رهط وهم يتعرضون لحملات لا تتوقف من الملاحقة والاقتلاع بل الطهير العرقي كما يؤكد سياسيون وقادة فلسطينيون وبعض الباحثين اليهود أيضا. وقد تضاعف تعداد بدو النقب مرات كثيرة جدا فهم اليوم يعدون نحو 300 ألف نسمة بعدما بقي نحو 13 ألف نسمة فقط بعد نكبة 1948 حيث تم تهجير معظمهم إلى الأردن وغزة وسيناء.

قرية صغيرة وحلم كبير

وأم بطين قرية صغيرة نائية لكن أحلامها كبيرة وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم فرغم أنها متزوجة وأم لستة أولاد فإنها واظبت وثابرت على تجاوز كل المعيقات والجدران حتى بلغت درجة الأستاذية.

غير أن مسيرة العناء والنضال بدأت مبكرا جدا كما يستدل من حديث خصت به “القدس العربي” منوهة أنها ولدت في بيت متواضع داخل قرية بعض بيوتها من حجر وأخرى من زنك وخشب وبعضها الآخر عبارة عن بيت شعر. “أنهيت المدرسة الابتدائية في قريتي وكنت مضطرة لإنهاء وظائفي المدرسية في المساء بواسطة قنديل أو فانوس يعمل بالكاز تقاسمناه أنا وإخوتي وأحيانا كنت أقرأ وأكتب على نور شمعة لضيق الحال وعدم ربط بيوتنا بالتيار الكهربائي حتى اليوم”، تقول الأستاذة سارة بعفوية ودون شعور بالمرارة منوهة أن الأهالي بادروا لربط بيوتهم وعلى نفقتهم بألواح الطاقة الشمسية الباهظة الثمن وبات كثيرون منهم في السنوات الأخيرة محرومين من تشغيل بعض الأدوات الكهربائية داخل منازلهم.

تؤخذ الدنيا غلابا

وتؤكد أن الدنيا تؤخذ غلابا ولا بد من التضحيات ومجابهة التحديات لكنها تشيد بدور والديها الذين شجعا أولادهما الخمسة على التعلم. وتقول إن والدها سميح أبو كف لم يحالفه الحظ باستكمال تعلمه فخرج من المدرسة قبل أن ينهي المرحلة الابتدائية لكنه طالما كان مشجعا داعما محبا جدا للعلم والتعلم لدرجة أنه يبالغ أحيانا في حرصه الشديد “أما والدتي آمنة فقد أنهت المرحلة الثانوية مما ساعدني وبقية إخوتي في البحث عن الضوء”. يشار أن التعلم الجامعي كان من نصيب معظم إخوانها: شقيقتها هبة أبو كف طبيبة باطنية، مريم مربية، ومحمد مهندس حاسوب في شركة إنتيل العالمية.

السير للمدرسة على الأقدام ذهابا وإيابا

وكابدت سارة أبو كف مصاعب اقتصادية وحياتية في طفولتها وصباها فعندما أنهت الابتدائية في قريتها بحثت عن استكمال تعلمها الثانوي في بلدة مجاورة على بعد نحو ست كيلومترات وكانت يوميا تقف على قارعة الطريق مع بعض رفيقاتها وتنتظر توصيلة لقرية تل السبع وأحيانا اضطرت للسير صيفا شتاء سيرا على الأقدام لعدم وجود مواصلات عامة.

وبعد إنهاء المرحلة الثانوية انتقلت سارة أبو كف لجامعة بئر السبع وقد حالفها الحظ بأن حصلت على منح دراسية بسبب تفوقها ومثابرتها مما خفف عن كاهل أهلها وتستذكر البدايات بقولها إنها وأربع بنات عربيات فقط من منطقة النقب التحقن بالجامعة وقتها أما اليوم فبات تعداد الطلاب العرب من أبناء النقب في جامعة بئر السبع يزيد عن الـ500 معظمهم من البنات (نحو 80% طالبات).

أم لستة أولاد

وقد نقلت البنت سارة هذا الشغف بالعلم إلى أولادها ممن ساروا في طريق التعليم الأكاديمي: هويدة (الحاسوب) ميس (علم النفس) الاجتماعي، وليد (هندسة البرمجة) فيما أنهى الشقيقان التوأمان غسان ومروان المرحلة الثانوية هذا العام و”قريد العش” معاذ ما زال في الصف السابع.

وتبدي الأستاذة سارة اعتدادها بأولادها لكن التربية والعناية تكلفانها ثمنا باهظا في ظل الظروف الحياتية الصعبة في القرية التي تصمم على البقاء فيها رغم أنها ما زالت تفتقر للخدمات الأساسية. وردا على سؤال تنوه لقيامها بالموازنة بين هويتها العربية البدوية وبين الحداثة وترى الكثير من نقاط الضوء في المجتمع الريفي منها التكافل الاجتماعي والأجواء الأسرية الدافئة والداعمة وتكرر شكرها “أنا ممتنة لأهلي دعمهم لي ولمسيرتي ومن جهتي أقوم بدوري بذات الواجب مع أبنائي ومع طلابي وطالباتي في الجامعة”.

وتعمل البروفيسور سارة أبو كف في جامعة بئر السبع أستاذة في علم النفس عبر الثقافات والحضارات بعدما كانت حازت على الدكتوراه من كلية العلوم الاجتماعية- الإنسانية فيها عام 2010 وكانت في البداية قد أنهت علم النفس السريري لكنها لم تعمل كمعالجة نفسية واختارت مسار البحث العلمي المرتبط بسلوك العامة لا الأفراد.

بوست دكتوراه في هارفارد

كما كانت قد أعدت أبحاثا في مجال الدراسات النفسية عبر الثقافات عالجت فيها ظواهر اجتماعية نفسية تلازم المجتمع العربي الفلسطيني خاصة في النقب وبحثت أسبابها المتنوعة كالاكتئاب، القلق والمشاكل الجسدية نتيجة الأزمة النفسية لدى الفئات العمرية المختلفة. أبو كف الحائزة على عدة جوائز توضح أنها أعدت دراسات في العنف والصحة النفسية للمواطنين العرب في إسرائيل ودراسات نسوية وغيرها وهي مهتمة بالتعمق في بحث العلاقة بين الاضطرابات النفسية وبين الظروف المعيشية.

وكانت قد أنهت مرحلة دراسة البوست دكتوراه في جامعة هارفارد عام 2012 بينما كانت أطروحة الدكتوراه: “العرضة للاكتئاب لدى الطلاب الجامعيين البدو مقارنة بالطلاب اليهود”. وتعمل سارة أبو كف اليوم في التعليم الأكاديمي وهي مديرة قسم الدراسات متعددة المجالات في جامعة بئر السبع والشامل لدراسات نسوية ولسانية وتاريخية وغيرها وتدير برنامجا خاصا بإدارة وتسوية الصراعات.

ظاهرة الاكتئاب

واحتفلت عائلتها بحيازتها على درجة الأستاذية ولكن دون “مهرجانات وألعاب نارية” تقول متوددة وتتابع “اقتصرت على مباركات فعاليات متواضعة كما نحن معتادون منذ صغرنا”.

وتنهي بالقول إنها تحلم اليوم ببناء مركز للاعتناء بالصحة النفسية خاص بالمجتمع الفلسطيني البدوي في النقب تتعاون فيه طواقم من الأطباء والممرضين والأخصائيين النفسيين والعاملات الاجتماعيات منوهة إلى وجود حاجة كبيرة لمثل هذه الخدمة في ظل استشراء ظاهرة الاكتئاب وتكشف عن أن هناك نحو نصف طلاب البدو في صحراء النقب يكابدون نوعا من الاكتئاب لعدة عوامل منها الشروط المعيشية القاسية في الصحراء في ظل التمييز الإسرائيلي في الخدمات وغيرها وتضيف “50% من الطلاب البدو يعانون من درجات متفاوتة من الاكتئاب بينما النسبة العامة لدى مجمل الطلاب في أراضي 48 نحو الـ30%”.

القدس العربي