دلالة "المصلحة الوطنية العليا" في خطاب النواب
احتجت الاطراف كافة تحت قبة البرلمان بالمصلحة الوطنية العليا كمبرر لتفسير موقفها من اعلان النوايا مع الكيان الاسرائيلي، وهذا يقودنا الى ضرورة تعريف المقصود بالمصلحة الوطنية العليا: فهل اتفاق الماء مقابل الكهرباء مع الكيان الاسرائيلي سيحقق المصلحة الوطنية العليا؟ وكيف؟
ما هي الضمانات؟ لتحقيق المصلحة الوطنية العليا؟ ومن سيدفع الثمن في حال لم تتحقق المصلحة الوطنية العليا المتوقعة من الاتفاق والعكس صحيح؟
الحقائق وحدها تؤكد او تنفي ان التراجع عن الاعلان لن يلحق ضررا بالمصلحة الوطنية العليا للبلاد: فهل سيتسبب القرار بحرج كبير للاردن خصوصا مع الدول الغربية والمانحة؟
الحقائق تؤكد ان الاردن سيظل محط اهتمام القوى الغربية والعالمية، وسيبقى لعدة اعتبارات جيوثقافية، واخرى جيوسياسية يتطلب شرحها مجلدات محط اهتمام واعتبار القوى الاوروبية والغربية.
فالبلاد تقع على اخطر عقدة اتصال جيوسياسي وثقافي في الاقليم تربط العراق وايران؛ و سوريا وتركيا؛ والخليج العربي والهند؛ والبحر المتوسط عبر الكيان الإسرائيلي على حوضه الشرقي بأوروبا؛ والبحر الاحمر بإفريقيا والقرن الافريقي؛ فالاردن البقعة الاكثر استقرارا في محيط ملتهب يفصل بينها بهدوئه، واستقراره الاستثنائي.
معادلة يدركها قادة الكيان الإسرائيلي قبل الامريكان، ويصعب تعويضها إن فُقدت، وما "اعلان النوايا" إلا مجرد ديكور تكميلي لمشهد اقليمي اوسع؛ فهو تكميلي وليس من الضروريات لا للاردن او الكيان في ظل وجود بدائل معقولة واقل كلفة امنيا وسياسيا.
المسالة الثانية التي تجعل الامكانية عالية للتراجع عن "الاعلان" والتغاضي عنه: السوابق في الإقليم؛ ذلك ان ابو ظبي والكيان الاسرائيلي تراجعا عن العديد من المشاريع كـ: مشروع تصدير النفط عبر انبوب ايلات - عسقلان، ومشروع تطوير ميناء حيفا، كما تعطلت العديد من الصفقات المرتبطة بالسلاح والعتاد الالكتروني من امثال شركة (IOS).
فإذن لا حرج في إلغاء هذه الاتفاقات، بل إن شركة (IOS) طالبت حكومة بينت بتعويضات عن خسائرها، امر راوغت فيه حكومة بينت حتى اللحظة بل تجاهلته!
"إعلان النوايا" لم يبلغ حد الاتفاق؛ ولا يوجد شروط جزائية؛ ولا يمثل مشروعا استراتيجيا بدون بدائل اقتصادية؛ فالبحر الاحمر فيه امكانات كبيرة كما أن السعودية تمثل بديلا، وباطن الارض يملك حلولًا، والاهم ان الحلول المتعلقة بالمياه تراكمية لن تتحقق من خلال مشروع واحد يمكن الاستغناء عنه واستبداله بسهولة بمشاريع كثيرة.
وحتى اللحظة، ومن خلال الاستعراض السريع والسطحي للمتغيرات المؤثرة في المشروع والمصلحة الوطنية، لا يوجد ما يؤكد ان المشروع يمثل مصلحة عليا للدولة الاردنية؛ فالدولة تملك البدائل له.
ختامًا..
"المصلحة العليا" تحتاج الى تعريف واضح إجرائيا وموضوعيا في خطاب النواب المشرعين؛ ذلك انها ليست مجرد شعار سياسي يختبئ خلفه المعارضون والمؤيدون، بل حقائق إجرائية وموضوعية تجب مناقشتها باستفاضة وهدوء.
السبيل