إشاعة " البكاء " بين الرجال العرب !
حملة ترويجية اطلقت في لبنان مؤخرا وتخص الرجال تحديدا ، فحواها أن على الرجل أن يبكي وأن لا يخجل من البكاء ، وانوه هنا ، بأنني ما كنت لأتناول هذه القضية لو لم تجد انتشارا واسعا في عموم الفضائيات المهمة ، ولكن ، لأن هناك شبيهات لها متعددة الأشكال والألوان تستهدف ركائز المجتمع وفطرة الله التي فطر الناس عليها ،وجدتني أخص هذه الحملة بهذه العجالة :
الحملة أجرت لقاءات مع شباب وكبار في السن و مراهقين ، أجاب بعضهم بأنهم يودون البكاء وآخرون بأنهم يحبسون دموعهم خجلا أو خوفا من أن تخدش رجولتهم .
بداية ، نقول بأن بكاء الرجل شيء طبيعي وهو أمر غريزي إنساني ولا علاقة له بالرجولة أو الأنوثة ، ولكن معايير ضبط هذا البكاء تختلف من شخص لآخر ، وفقا لتصوره كما يحدث في بكاء عدد من الطوائف عبر لطميات معروفة ، وهذه طقوس لها شأنها ، وغير ذلك الكثير ، بينما نرى آخرين في مجتمعات أخرى يعتبرونه عيبا ولا يجوز للرجل إظهاره ، وهو ما عليه أغلب المجتمعات العربية من غير الطائفة المذكورة .
المشكلة ليست في هذه الحملات التي تريد للرجال أن يجهشوا بالبكاء على الطالع والنازل أمام خلق الله ، بل في من يقف وراء مثل هذه الحملات التي تريد تمييع الشباب العربي ، وإخراجه من كينونته التي فطر عليها ، مع التنويه أننا لا نقصد أصحاب الحملة بالذات .
إنهم يذهبون للحج والناس راجعة ، وهذا وصف ينطبق على دعاة الحرية المنفلتة التي هي في حقيقتها نتاج لليبرالية رأسمالية تحرسها السياسة ، بات لها سحرها في الشرق العربي في الوقت الذي يبحث فيه الغرب الآن عما هو بعد الحداثة ، وقد رأيناها في الفترة الأخيرة تعلن إفلاسها من خلال ما نراه يوميا من احتجاجات تعم كل دول اوروبا وأمريكا بسبب الظلم الذي حول البشر إلى آلات إنتاج حتى باتت الثروة محصورة في أيدي أشخاص بدل مجتمعات ، وأفراد بدل دول : ( هل يعقل أن يمتلك شخص واحد 250 مليار دولار ، بينما تعاني أغلبية مجتمعات الأرض من نقص مطعوم كورونا بسبب احتكار الملكية الذي ترفض شركات الأدوية التنازل عنها .. وقس عليه مئات الأمثلة ) .
إن البكاء غريزة في الأنسان الذي هو بالإضافة إلى الروح والعقل كتلة من الجسد والمشاعر ، بل إن رب العزة امتدح البكائين في صلوات الليل والأنبياء الذين إذا ذكروا بآيات الله خروا سجدا وبكيا ، ولكن هذا شيء منعزل في الظلمة والوحدة والناس نيام ولحاجة الأنسان لخالقه ، ومثل هؤلاء لا يبكون على دنيا ومتاع وتجارة او ضيق عيش أو قهر رجال ، هناك قيم لا بد أن تحترم بعد أن بتنا نسمع ونرى في الشوارع شبانا يهاتفون آباءهم طلبا للحماية من ظلمة الطريق ، ولن تستغرب إذا دخلت أحد الجمات ورأيت شابا مفتول العضلات يجادل أحد أقرانه وعندما يشتد الجدال نسمعه يقول " وحياة ماما " ويركض إلى الطعام الجاهز كالأطفال .
إن هذه الحملات تشبه في مضمونها الحملات الأخرى التي تصور الرجل عدوا للمرأة في تحريض خبيث فتت المجتمعات وضرب ترابط الاسرة ، مع أننا كنا قبل هذه الحملات مجتمعات راضية مرضية متحابة .
تأتي هذه الحملات في ظل انتشار الدعوات إلى الإلحاد وإلى الحرية غير المقيدة واعتبار المجون تحضرا ، والشذوذ أمرا طبيعيا وحرية شخصية ، حتى بتنا نسمع عن انتشار رذائل وبلاو تشيب لها الولدان .
لم يراع هؤلاء ، أو هم تقصدوا أن لا يراعوا الجانب الآخر من المعادلة : فهل سألوا المرأة مثلا عن انطباعها في رؤية رجلها و زوجها الذي تطمئن بقوته بشكل غريزي ، مجرد شخص بكاء نداب جهاش فشاش ، لقد كان عليهم سؤال السيدات حتى أولئك اللواتي ينافحن عن سيداو والجندر وغيرها : ما هو شعورهن لو أن رجال عائلاتهن بمن فيهم الأباء والأخوة والأزواج " العرب " الرازحين تحت عشرات الضغوط ، يبكون في الشوارع والمقاهي وأثناء قيادة السيارات وفي المطاعم والمراقص والملاهي والمخابز والمولات لمجرد أنه لا يجوز للرجل أن يكتم مشاعره ،وما هو شعور أي امرأة ، تتصل بزوجها طالبة منه شيئا معنويا أو ماديا ، فيرد عليها بشهقات من الدموع ؟؟ .
هذه آخرتها !.
جى بي سي نيوز