الدجاجيون وتسويق الرداءة
في رأس سوق الخضار اتجهت مسحوباً بصوت بائع يحيي على الفول الأخضر، ويضرب بين الترنيمة والأخرى بيتاً من العتابا. ولأنني من جماعة (عيناك بالسوق من أوله) أي (الخير موالاه)، فقد اشتريت من هذه البسطة.
الغبن والخسارة أنني ما أن مشيت بضع خطوات، حتى رأيت على بسطة كبيرة فولاً أخضر، يانعاً طازجاً، لذة للأكلين، ومسرة ودهشة للعين. ابتسم البائع في وجهي شامتاً، ويبدو أنه لمحني أشتري من جاره: (غرك الصوت العالي ولم تفتش عن البضاعة الجيدة)، فهززت رأسي معترفاً بهذه الإخفاقة.
من بعض الوقفات التي يتعلمها طلبة كليات الإعلام والصحافة أن التدليل على البضائع يفوق في كثير من الأحيان أهمية البضائع نفسها، وينوف عن جودتها وقيمتها، ويضربون مثلاً حياً لهذه الحالة، هو اعتماد البشر بشكل أساسي على بيض الدجاج، مفضلينه على بيض الإوز الأكثر فائدة والأكبر حجماً، بسبب ما تقوم به الدجاجة من إعلان وترويج لبضاعتها بمقاقاة طويلة الأمد. فيما الأوزة تعمل وتبيض بصمت. ربما لأنها تعرف ما لديها من جودة وقيمة.
تعجبني الأوزة فهي تبدو دوما شامخة، أنيقة، نظيفة مرفوعة الرأس، تأكل بهدوء دون صخب وطيش، لا تنبش الأرض مثل الدجاجة فتلطخ ريشها، ولا تهرع إلى صاحبها بخنوع وشراهة؛ كلما رشّ لها علفاً أو إيماء به. والأهم من هذا كله: لا تقاقي.
يعتقد الديك أن الصباح لا ينبلج إلا بصياحه. وكذلك حرمه المصون دجاجة خانوم فهي تملأ الحارة مقاقاة، كلما باضت بيضة، حتى لو كانت خداجاً، أي بلا قشرة صلبة، أو بحجم بيضة عصفور.
تراثنا الشعبي سخر من هذه الفزعة الإعلانية الدجاجية عندما غني بخبث: (جاجتنا بتقاقي، على طول الزقاق، بيضها صفندح، كسّر الرقاقي)، أي أن دجاجتنا شرعت بالمقاقأة، بعد أن وضعت بيضة صلبة كالرصاص، كسرت الحجارة تحتها.
في هذا الزمن المدجن، المغموس بالمقاقاة الرخيصة، يتخذ الكثيرون الدجاجة رمزا لهم، فهم يقاقون ويقاقون، ليس فقط على بيضة يضعونها، بل لربما على بخة ينفثونها، أو زفرة يزفرونها. وقلة هم من يتوزوزون، أي يتخذون الإوزة شعارهم، ويعملون بصمت، ويحيون مرفوعي الرؤوس، شامخي الصدور، نظيفي المحيا.
الصوت العالي ليس دائما ما يدل على الخير أو الجودة. ولهذا علينا وأن نجد في البحث عن البضائع الجيدة خلف جدار الصمت وهيبته. لست مطلق نصائح، ولكني أتمنى لو يلتفت الإعلام إلى وزة الأشياء في حياتنا، وألا تأخذه العزة بالجهل والصخب، فيقاقي مع المقاقين؛ ليسوق بضائع فاسدة وأفكاراً بالية، لا تسوى في سوق الحق والخير والجمال قشرة بيضة.
الدستور