كيف صمدت حماس عسكريا؟؟
كان الجيش الإسرائيلي يتوقع في بداية حربه على غزة ومن خلال الضربة الأولى وتحقيق عنصر المفاجئة التي طالت المراكز الأمنية والقيادات الشرطية خلق الفوضى ونشر العصيان وفرار مسلحي حماس وخلع ملابسهم وأسلحتهم ومن ثم انتظار استسلامهم.
من المنظور العسكري نجح الجيش الإسرائيلي في تحقيق عنصر المفاجأة للضربة الأولى مقابل تقصير حماس في عدم تجنبها للضربة، أو اطمئنانها من قبل دولة تفاوضية بعدم الاعتداء، أو لعدم إدراكها على إقدام الجيش الإسرائيلي لهذه الخطوة الإجرامية المجنونة.
الضربة الأولى على حماس لم تكن شبيهة للضربة الأولى على حزب الله والتي لم تأخذ الوقت الكافي للتخطيط المسبق بينما ضربة حماس قد تم الإعداد والتخطيط لها لأكثر من عام وتم دراستها من نواحي عسكرية ونفسية واقتصادية وإعلامية مسبقة .
الحصار المسبق على قطاع غزة والذي استمر لعدة اشهر كان يسير وفق مخطط مبرمج ومنهجي شمل التطبيق الصارم لعدم دخول أي شيء وتدمير عدد من الإنفاق وتوجيه ضربات متكررة للقيادات الحمساوية وقصف متقطع أحيانا مع تحقيق نجاح إعلامي للتهيئة المسبقة للهجوم على غزة.
هذه هي الخطط العسكرية المتعارف عليها في حال كانت القوة العسكرية المهاجمة كبيرة ولديها أسلحة متطورة وإمكانيات ضخمة حيث تبدأ بالحصار ونشر الإشاعات والقتل المبرمج وتدمير المعنويات وخلق حالة نفسية تقارب على الانهيار لعلها تنجح في قلب الداخل على قيادته ومن ثم يسهل السيطرة عليها بسهولة.
الصمود الحمساوي سجل أسطورة في التاريخ العسكري حيث تمكن من تمتين الجبهة الداخلية التي كانت إسرائيل تراهن على تفكيكها من خلال الحصار المتواصل والممنهج ومن ثم أكملت مراهنتها على تحقيق الضربة الأولى المفاجئة والمتعارف عليها عسكريا \"بالصعقة\" وهذه في العادة تنجح في حال كانت معنوية الجهة المتلقية للضربة ضعيفة ومتزعزعة معنويا.
ولكن بالرغم من الخسائر الفادحة وتدمير المقرات إلا أن حماس وجبهتها الداخلية خرجوا متماسكين بصمودهم وارداتهم القوية التي فاجأت بها العالم وإسرائيل التي لم تكن تتوقع خروج حماس بمعنوية أقوى من السابق.
الذهول والإعجاب من صمود حماس أثار قيادات ومحللين عسكريين عرب وأجانب لم يتوقعوا لحماس الصمود لأكثر من أربعة أيام كما أعلنت القيادة الاسرائيلة على احد مواقعها الالكترونية وذلك للفروق الشاسعة في التسليح والمساحة المغلقة والضيقة والحصار المتواصل والحرب النفسية والإعلامية.
نجاح صمود المدافع يكمن في الثبات وقوة استخباراتها العسكرية والاستعداد المسبق لتلقي الهجوم في حال توفر التكافؤ في القوى بين الطرفين إلا أن حماس وبالرغم من إمكانياتها المتواضعة والبسيطة قد تميزت بقوة الإرادة والسرية والتماسك والكتمان والعمل تحت الأرض والنجاح في تزويد مقاتليها بالسلاح المتواضع.
ضرب القيادات المدنية والعسكرية يعتبر من أهم وأسرع الضربات العسكرية لانهيار الجيوش او المقاومة حيث كانت إسرائيل تهدف إلى تحقيق هذا الهدف في ضربتها الأولى على اعتبار ان عددا من القيادات كان سيتم استهدافها إلا أن القيادات الحمساوية سواء السياسية أو العسكرية تمكنت من الاختفاء بطريقتها الخاصة وتجنب الضربة الأولى التي كانت تهدف إلى قتل عدد منهم وهذه نقطة تسجل لحماس.
بعد الضربة مباشرة خرجت حماس لتعلن في بيان إعلامي أن المعركة لم تبدأ وتتوعد الجيش الإسرائيلي بهزيمة نكراء، وهذا البيان قد جاء لطمأنة المقاتلين بسلامة القيادة وطمأنة الجبهة الداخلية بقوة المقاتلين والتحدث بنبرة قوية تدلل على الثقة والتحدي وهذا ما أثبتته حماس من خلال إطلاق عشرات الصواريخ نحو مناطق إسرائيلية مختلفة.
الجانب الإعلامي وانتشاره الواسع لصور وحجم الدمار والقتل والتركيز على الأطفال والنساء وهدم المساجد والمدارس واستخدام الأسلحة المحرمة، منح حماس وجبهتها الداخلية جرعة من الثقة والقوة حيث عكست المسيرات الحاشدة والمنددة في كل دول العالم وطرد السفير الإسرائيلي في دولتين (فنزويلا وبوليفيا) والاعتصامات إلى استقرار الوضع الداخلي وتماسكه وعدم الالتفات إلى حجم الدمار والقتل بقدر التفاتهم إلى التشجيع والنظرة العالمية لصمودهم.
السرية والتكتم والاتصال بين القيادة وجيشها أيضا هي من العوامل التي ساهمت في نجاح هذا الصمود حيث لجأ مقاومي حماس إلى لباس غطاء الوجه الأسود للتمويه وذلك لتضليل العملاء والعمل بسرية وكتمان اثر التجارب المريرة السابقة التي أدت إلى اغتيالات لقادتها إضافة للاستخدام الذكي للهاتف الخلوي والذي كان وما يزال يجري من خلال طرف ثالث ورابع وخامس وتحديدا للقيادات العليا في حماس.
القيادات السياسية والعسكرية لحماس نجحت في الاختفاء والتواري عن أنظار الطائرات الحوامة والعملاء حيث يجهد الجيش الاسرائيلي وعملاؤه واستخباراته في محاولات متكررة لقتلهم، إلا إنها لم تنجح في معرفة مخابئهم وأماكن تواجدهم وهذا يدلل على سرية المواقع التي يقبعون فيها او للتنقل الخفي والمستمر في أماكن يتم استطلاعها قبل الانتقال عليها وهذا ملاحظ من خلال عدم مشاهدة أي قائد لحماس متواجد في أماكن منظورة سواء للأعلام أو لأهل غزة وعدم مشاهدة أي مقاتل من حماس على الارض.
الكثير من المحللين السياسيين والعسكريين يتساءلون لماذا لم يدخل الجيش الإسرائيلي المناطق السكنية في غزة لغاية ألان لتأتي الإجابة واضحة وهي أن الجيش الإسرائيلي لن يدخل دون تهيئة ارض محروقة وأضعاف المقاومة وتحطيم معنوية المجتمع المدني والتمكن من عزل القيادة عن الشعب.
الشروط الثلاثة لم يتحقق أي منها، بل أن حجم الدمار والحرق والقتل لم تجدي شيئا في زعزعة الجبهة الداخلية لغاية الآن أما إضعاف المقاومة فان المقاومة أخذت تنهج أسلوب القنص والتخفي والمصيدة حيث لا يمكن وصفها بحرب شوارع كما قرأتها في إحدى المقالات وذلك للهيمنة الجوية الضاربة والاستطلاعية الواسعة إضافة لقوة وبشاعة وتواصل الضربات الجوية والمدفعية حيث لجأت القوات الإسرائيلية إلى التقدم بطريقة\"القلعة\" أي بالتقدم بإعداد هائلة وسط ارض محترقة بالكامل.