نرجوكم لا تفسدوا جامعاتنا
ما زال بعض الأكاديميين في بعض جامعاتنا يستخدمون اساليبا تعليمية عقيمة تعتمد التلقين أساسا بدلا من الحثّ على التعلّم ، فما أن تدخل بعض القاعات التدريسية في عدد من الجامعات والمؤسسات التعليمية حتى ترى المدرس يدخل القاعة الصفية حاملا بعض الأوراق ليقوم بنسخها كما هي مجرّدة على اللوح وحين ينتهي يقوم الطلبة بنسخها هم بدورهم إلى دفاترهم ليصار فيما بعد إلى بصمها غيبا لغايات الامتحان للحصول على علامات مرتفعة أصبحت جلّ اهتمامهم للأسف ، وبهذا يكونوا قد تخلصوا من همّ هذه المادة ومن همّ هذا المدرس أحيانا ، أو لترى المدرس يبدأ فور دخوله القاعة بالقراءة من الأوراق التي بحوزته والتي كثيراً من الأحيان لا يذكر مصدرها حتى لا يستبقه الطلبة بالحصول عليها ، فيقوم بتلقينها للطلبة الذين يبدأون بدورهم سباقا في الكتابة ليروا من هو المميز الذي أنهى قبل أن يفرغ المدرس من التلقين ، أو لتصدم أحيانا بأساليب لا يتسع الحديث هنا للشرح عنها!!! .
من المسؤول عن هذه الأساليب التدريسية إن صحّ تسميتها كذلك ، هل هو الطالب أم المعلم أم هي المؤسسات التعليمية وإداراتها ؟ المسؤولية هنا برأيي مشتركة ، فهي على الطالب أولا لقبوله بأن يصار إلى تعليمه بهذا الشكل ، ولوضعه همّ العلامة وحيدا نصب عينيه دون أن يهتم لجودة العلم الذي يتلقاه إذا ما كان يتلقى علماً أصلا، والمسؤولية على المدرس ثانيا لعدم حرصه التحصّن بالكفاءة وعلى أن يكون مطوّراً لنفسه ومحدثاً لعلمه ومواكباً لكل الأساليب والتقنيات التدريسية التي تعمل على النهوض بمجتمعاتنا إذا ما طبقناها وتعلمناها وعملنا على تطويرها وبلورتها لتكون محور النهج التعليمي الذي يرفض التلقين ويعمل على الحثّ على التعلّم، وهي أيضا مسؤولية المعلم لأنه يتخلى أحيانا عن الوازع الضميري ويقبل أن يقوم بالتدريس لبناة المستقبل وصنّاعه بهذا الأسلوب وهذا الشكل ، واعتقد أن الجزء الأكبر من المسؤولية هنا يلقى عليه ، ثم فالمسؤولية ثالثا تقع على عاتق جامعاتنا الحبيبة وإداراتها الحكيمة لعدم تطويرها طرقا لتقييم أداء المدرسين والمحاضرين بمختلف درجاتهم الأكاديمية ، وعدم اطّلاع هذه الإدارات أحيانا أو حتى متابعتها للأساليب التدريسية المتّبعة لديها ، وهنا لا بد لنا من التأكيد على كلمة حق وهي أن هذه الأساليب التدريسية العقيمة التي نحن بصدد الحديث عنها والإشارة إليها ليست سائدة في جامعاتنا ، إلا أنها موجودة وبشكل متفاوت بين الجامعات والمؤسسات التعليمية ، وفي كل بلاد العالم أيضا ، كما علينا الافتخار بالمستوى العلمي والمناهج الحديثة التي تتبعها بعض جامعاتنا من خلال خطواتها الرائدة في هذا المجال والتي تظهر من خلال مخرجاتها التعليمية في بعض التخصصات التي تكون علمية على الأغلب.
لسنا هنا بصدد جلد الذات ، ولكن ما أن نرى موطن خلل في مؤسساتنا التعليمية ذات السمعة الطيبة -والحمد لله - صار واجبا علينا الإشارة إليه والمساعدة على اجتثاثه من جذوره ، وهذا ليس بالأمر الصعب إذا ما توافرت لدينا الإرادة والتصميم على اكتشاف مواطن هذا الخلل وتصحيحه ، إذ أصبح من الواجب على إدارات الجامعات تطوير أساليب وطرق منهجية لفحص الكادر الأكاديمي لديها بشكل مستمر ، والعمل على رفده والحرص هنا على رفده بشكل صحيح وسليم لكل أنواع التكنولوجيا وطرق التدريس التي لا تكمن فقط في وجود عدد من الحواسيب المحمولة وعدد من أجهزه عرض المعلومات والبيانات في الجامعات ، بل تتعداها إلى تكنولوجيات وطرق بحث علمي تعمل على تقييم العملية التعليمية بعناصرها الثلاث : الطالب والمعلم والمادة ، وتتعداها إلى دراسة حتى المستوى النفسي للطالب وللمعلم وقياس مدى قابليتهم إلى تطوير أنفسهم للوصول إلى الهدف التعليمي والبعد عن الطرق التلقينية العقيمة ، وخلق البيئة الجامعية البحثية الملائمة لذلك ، فوجود بعض الأكاديميين غير المسؤولين في مؤسساتنا التعليمية لم ولن يكون مقبولا لعمله على هدم الثقافة التعلّمية لطلابنا، كما أصبح زرع الثقافة التعلمية الصحيحة لدى لطلبة وتوسيع نظرتهم الضيقة أحيانا لتصل أهدافا أكثر رقيّا ورفعة من الهدف التقليدي الذي يتمثل بالعلامة وقطع شوطا في الدراسة حتى لو كان ذلك على حساب كفاءة العلم الذي يكتسبونه.
اذن فالمسؤولية مشتركة كما هي التحديات ، والحل كما نعلم يكمن في روح العلم المتمثل بالبحث العلمي ليصار إلى تطويره كمنهج عمل لاكتشاف الخلل وإيجاد كل الطرق العاملة على وأده ، لتبقى مؤسساتنا التعليمية وجامعاتنا منارات علم كما عهدناها ، ينهل منها طلبتنا الأردنيين وغير الأردنيين سواء من الأشقاء العرب أو من الأصدقاء الغربيين ، ليحصلوا على علما يتّسم بالكفاءة والفاعلية بروح عصريه تشجعهم على الإقبال عليه وتعظّم استفادتهم التي تعني استفادة وطننا الغالي بالضرورة.