في ذكرى الإسراء والمعراج
رحلةٌ أرضيةٌ سماويةٌ، خصَّ الله _سبحانه وتعالى_ بها نبيه محمد _صلى الله عليه وسلم_، تحكي لنا عن حدثٍ غايةٍ في الأهمية، لا يتقادم عبر الزمان، ولا يختلف من مكانٍ إلى مكان، درسٌ مهم من دروس الحياة، بل دروس جمعتها ليلة واحدة، أراد الله بها أن يلقِّن الأمة بأكملها، بأنه من داخل المحنة تولد المنحة، ومن هنا جاءتْ منحة الله _سبحانه وتعالى_ لنبينا محمد _صلى الله عليه وسلم_، فاعتبروا يا أُولي الألباب، فعندما قرر نبينا المصطفى محمد _صلى الله عليه وسلم_، الخروج إلى الطائف وحيدًا ليدعوهم إلى الإسلام، سلَّط عليه أهل الطائف آنذاك غلمانهم وصبيانهم ليرشقوه بالحجارة، وليخرجوه منها عنوة، وهنا ضاقت الأرض بمن فيها على نبينا المصطفى، إذ دعا ربه دعاء الشاكي قائلا : (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهمني أم إلى قريب ملّكته أمري، إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي، ولكن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو يحل عليّ سخطك، لك الحمد حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلى بك) وما أن سمع الله _عز وجل_ دعاء نبيه المقهور، إلا وقد أنزل عليه جبريل _عليه السلام_، ليخبره "لو أردت لأطبقن عليهم الجبال "فرفض نبينا المصطفى قائلًا له: "علَّه يخرج من أصلابهم من يوحد الله"، ومن هنا، كانت هدية الله سبحانه وتعالى لنبيه محمد _صلتْ عليه الخلائق والملائكة_، بأن يرسل جبريل مرةً أخرى ليأتي به في رحلة أرضيةٍ سماويةٍ سميتْ برحلة الإسراء والمعراج.
والإسراء: هو خروج النبي في الليل من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى بسرعة قياسية لا يستوعبها العقل البشري، وهذه ما تسمى بالرحلة الأرضية، أما المعراج : فهو صعود النبي محمد _صلى الله عليه وسلم_ إلى السماوات العلى وصولًا إلى سدرة المنتهى، وهذه ما تسمى بالرحلة السماوية، وكل هذا حصل في ليلة واحدة سميت بليلة الإسراء والمعراج، ليلة غُسلت فيها أحزان نبينا الحبيب بعد عام الحزن، الذي فقد به زوجته وعمه اللذين كانا يؤانسانه ويساندانه في دعوته إلى الإسلام، وبعد حادثة الطائف التي تحدثنا عنها من قبل، ليقلب الله حزنه إلى فرح، وليؤنسه ويكرمه بتلك الليلة المباركة.
اللهم كما جعلتها ليلة دخول الفرح والسرور على قلبه الشريف بعد أن ضاق صدره فَاجعلها ليلة فرح وسرور على أُمته، واجعلها نهاية لكل حزن يسكُن قلوبنا ولكل مرض يسكن أجسادنا، إنك على كلِّ شيء قدير.