ريف في سماء الله
إنها «ريف»، هل رأيتم ريفاً يتواجد على ارتفاع أربعين ألف قدم في سماء الله، أول مرة في حياتي أرى في السماء ريفاً، أعرف أن الريف يقع خارج المدن القاسية الكبيرة، أما أن يحلق في الهواء، فتلك معرفة جديدة، أقلعت الطائرة من مطار دبي الدولي في اتجاه الوطن، ارتفعت الطائرة إلى 40 ألف قدم، سرح بي الخيال إلى طائرة «جامبو جت» 747 التي كان يطلق عليها لقب «الأمة»، كانت أمة، ولكن الله شاء أن تأتي من تكبرها مساحة وطولاً وعرضا، إنها طائرة «ئي 380»، تلك هي الأمة، بكل ما تحمل الأمة من معان، رئيس دولة، ونائب أول، ونائب ثان، وطواقم متعددي الأجناس، 16 لغة يمكن التحدث بها على متنها، كلهم يعرفون وجه الله، ويذكرون اسم الله كثيرا.
أنا معلق أيها السادة بين الأرض والسماء، لا وقت لي لكتابة مقالتي، سأصل عمان في تمام الرابعة والنصف، وسأخرج من المطار لتلبية دعوة صديق جمع لي أحباباً على مائدة كرمه، متى سأكتب مقالتي؟ ساءلت نفسي، نظرت إلى «ريف»، طفلة شديدة الوداعة والجمال، تغفو بجانبي على مقعد الطائرة، لا تبكي، لا تصرخ، لا تشتكي، لا تتذمر، تنظر إلي وتبتسم، ثم تواصل الابتسام، تحدق بي، تواصل التحديق، ترسل لي قُبلة طيارة، تغفو قليلاً ثم تعيد الكرة، استفزتني الطفلة، سألت والدها: ما اسمها؟ قال: «ريف». قلت لنفسي: ريف في سماء الله، نشأت علاقة وجدانية روحانية ساحرة بيني وبين الطفلة، إلى درجة أنني لم أعد أفكر كعادتي باحتمالات سقوط الطائرة وتحطمها، ولم أعد أفكر في تعليمات السلامة والنفخ والأكسجين والهبوط الاضطراري، فأنا على الريف من الدنيا، حيث الهدوء والوداعة والسكينة والجمال.
بدأنا الآن الهبوط التدريجي نحو عمان، عمان القلب ومهوى القلب، والنبض، والحب، والوئام، أرسلت لي «ريف» قبلة أخرى، بادلتها القبل، وواصلنا رحلة الهبوط إلى عمان، «ريف» وأنا، اسمها ريف المفلح، وعمرها يزيد على عمري 60 عاماً، وربما ونيف، أكملت عامها الأول وقطعت نصف مشوار عامها الثاني، لم يبق لنا إلا القليل، وسنهبط، والهبوط إلى عمان من سماء الله علو، ها نحن وصلنا، حمداً لله على سلامتك يا ريف.
الدستور