كي لا يصبح الثراءُ فُحشا
عرّفَ ربُّ العزة وصنّف، كلمةَ الفاحشةَ، فقرنها بأسوأ الأفعال وأكثرها وضاعة، وربطها بالكبائر والإثم والمنكر والبغي والسوء. وللأهمية الكبرى، والتبيين الجلي، والتبليغ الوافي، كرّر ربُّ العزة، كلمات الفاحشةَ والفواحشَ والفحشاءَ، 24 مرةً في القرآن الكريم.
وقد دمج الناسُ الثراءَ بالفاحشة، فأوشكت الكلمتان أن تصبحا كلمة واحدة فقالوا: «الثراء الفاحش».
ومهم للغاية التذكير بما نُسِب إلى الرسول الحبيب «لا تجتمع أمتي على ضلالة». واستحضار ما درج عليه العامةُ، بأنّ «ألسِنة الخلق اقلام الحق».
والثَّرْوَةُ لغةً هي الكثرة من المال والناس، وفي الحديث النبوي الشريف: «ما بَعثَ اللهُ نبيًّا بعد لوطٍ، إلا في ثروةٍ من قومه». أما الفاحش فهو القبيح الذي جاوز الحد.
إنّ الهدف الأول المباشر، لهذا التقبيح المفرط، للثراء، الذي يماثل جعله ملعونا، هو إظهار أن الثراء ابتلاء، يدفع صاحبه إلى المحاذرة في السعي اليه وجمعه والتعامل فيه، بحيث يضبط ذو الثراء كَنزَه وإنفاقه في أبواب الخير المحددة الكثيرة، التي تحوّله من نقمة إلى نعمة، وبحيث لا يتم انفاق المال الوفير، في المفاسد والمعاصي، والسفه المالي الذي يستدعي الحجر على مقارفه.
وصف الشاعر أبو العتاهية، الذي انقلب من المجون والفسوق، الى الحكمة والزهد، وصف الجِدَة، أي الثراء وكثرة المال فقال:
إنّ الشبابَ والفراغ والجِدَة،
مفسدةٌ للمرء أيّ مفسدة.
وإن ظروف ابناء شعبنا اليوم، تستدعي التوقف عند ما غفل عنه الأثرياء، وتخصيص المزيد من نعمة الله الحلال، لأغراض جبر خواطر المعوزين، ومد يد العون وتطبيق «الجود من الموجود»، والسخاء في الإنفاق على وجوه الخير، التي تنقذ المالَ وأصحابَه، من أن يكونوا ممن تنطبق عليهم الآيات الأربع والعشرون، التي قرنت الثراء بالفاحشة وجعلته في كثير من حالاته، نقمة ومَهلكة !!
والإنفاق والسخاء الفردي، علاوة على انفاق المؤسسات والشركات، هو جزء من المسؤوليات الوطنية، يصب في تدعيم الأمن، وحماية السلم الاجتماعي، وهو دورة ضرورية لرأس المال، حتى لا يتركز، فيأسن ويضمر ويتضاءل.
ندعو إلى الجود بالمال، ونحن نرى أبناءنا حملة الشعار، يجودون بأرواحهم لحماية الأمن والاستقرار.
الدستور