في عيدهن : أمهات معيلات يحفرن الصخر لتصل أسرهن إلى بر الأمان

المدينة نيوز :- "لا تنكسر في وجه العاصفة"، هكذا وصف معنيون المرأة المعيلة، فهي تعول أطفالها، وترعاهم في ظل غياب من يساعدها على هذه المهمة الشاقة.
وأضافوا في حديثهم لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) بمناسبة اليوم العالمي لعيد الأم، أنها تصبح لوحدها مسؤولة عن تأمين جميع متطلبات أسرتها، دون سند أو دعم من أحد، فرغم المحن والصعاب تظل شامخة، وتحارب على كل الجبهات.
الخمسينية أمل أمين، أصبحت بين ليلة وضحاها معيلة لأسرتها، بعد أن انتهى زواجها الذي استمر لأكثر من 20 عاما بالطلاق على إثر خلافات عائلية.
أمل، الموظفة في مؤسسة حكومية، قررت أن تقف على قدميها، وألا تنكسر أمام ظروفها الصعبة، رغم أن راتبها المثقل بأقساط القروض بالكاد يكفي لسدّ احتياجات أسرتها الأساسية، فبدأت تفكر بإنشاء مشروع خاص بها يساعدها على مواجهة مصاعب الحياة ويمكنها من تأمين مستقبلها ومستقبل أبنائها، وبالفعل حصلت على قرض جديد افتتحت به مشروعها الخاص الذي استطاعت من خلاله دعم أبنائها لإنهاء دراساتهم الجامعية، علاوة على دفع جميع أقساط القرض.
" كنت استيقظ فجرا، فأجهز الطعام لأبنائي ثم أخرج من المنزل إلى عملي صباحا ولا أعود إليه إلا ليلا" تروي أمل معاناتها.
وتضيف "واجهتني صعوبات كثيرة تخطيتها بالعزيمة والإصرار"، مؤكدة أن "المرأة لم تخلق ضعيفة فهي تمتلك قدرات وطاقات كثيرة تمكنها من تجاوز أي تحدٍ.
واليوم تعبر أمل عن اعتزازها بإنجازاتها، فهي حصلت على درجتها الجامعية الأولى وهي في الخمسينات من عمرها ولديها حفيدة، ثم كبر طموحها فسجلت للدارسات العليا، إلى جانب افتتاحها قبل أيام مشروعا جديدا.
"أجد ذاتي بهن" تقول أخصائية السلوك النفسي نضال بشيتي، وتضيف "كنت يوما أما معيلة، وطالبة علم وعمل لكن ذلك لم يكسر عزيمتي فتخرج أبنائي من أفضل الجامعات، وتابعت دراساتي العليا حتى حصلت على درجة الماجستير ثم تخصصت بنفس المجال في ألمانيا".
وتؤكد أن هناك كثيرا من النماذج لنساء حفرن في الصخر لتحظى أسرهن بأفضل صور الرعاية والتعليم بالتوازي مع سعيهن الدؤوب للارتقاء بعملهن والحصول على أعلى المؤهلات العلمية، مبينة أن هذا ما اكتشفته خلال عملها التطوعي في مجال التوجيه والإرشاد النفسي لفئة المعيلات.
وعبرت نضال عن اعتزازها، وفخرها بكل امرأة وخاصة المعيلة التي لم تستسلم رغم العقبات حتى وصلت هي ومن تعيل إلى بر الأمان.
وبينت أن المرأة المعيلة هي التي تتولى رعاية شؤونها وشؤون أسرتها ماديًا ومعنويًا، وبمفردها دون الاستناد إلى زوج أو أخ أو أب.
وأضافت نضال أنها ظاهرة اجتماعية تزداد في جميع المجتمعات لأسباب متعددة منها وفاة الزوج، أو الطلاق فتتحمل المرأة مسؤولية إعالة للأسرة.
من جهته، بين رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي الدكتور موسى شتيوي، أن نسبة المعيلات لأسرهن بالأردن باتت غير مسبوقة في ظل غياب المعيل، فيقع على عاتقهن القيام بمسؤوليات وأدوار متعددة في كثير من الأحيان دون مساعدة من أحد.
وأضاف: فمن جانب مطلوب منهن تأمين مصدر رزق أو عمل لسد احتياجات أسرهن الأساسية من غذاء وعلاج وتعليم، ومن جانب آخر يقع عليهن مسؤولية تنشئة أبنائهن تنشئة سليمة، وإعدادهم للمستقبل في ظل تغيرات متلاحقة.
وأشار شتيوي إلى أن نسبة لا بأس بها من تلك النسوة، يقتصر مصدر رزقهن على دخلهن من العمل، فيما يضطر بعضهن للكفاح والعمل بأكثر من مجال لتأمين احتياجات أسرهن خاصة الفقيرات أو غير المتعلمات منهن.
وأكد أن ذلك يضع أعباء مضاعفة على عاتق المعيلات لأسرهن يزيد من ثقلها النظرة السلبية إليهن من قبل بعض أفراد المجتمع، فيفقدن جزءا من مكانتهن الاجتماعية لأن مكانتها بنظرهم من مكانة زوجها.
وبين أنّ أزمة فيروس كورنا، زادت من الأعباء الملقاة على عاتق هؤلاء النساء، مشددا على أهمية أن تحظى هذه الشريحة بالاهتمام الكافي من حيث دراسة أوضاعهن واتخاذ السياسات والإجراءات لمساعدتهن بالتغلب على الصعوبات التي تواجههن وتضمن حقوقهن كمواطنات يقمن بدور عظيم.
وتقدر الأرقام الرسمية أن هناك نحو 392 ألف أسرة في المملكة ترأسها نساء تشكل ما نسبته 17.5 بالمئة من إجمالي عدد الأسر في المملكة، وفقا لإحصاءات المرأة لعام 2020 الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة.
وبحسب صندوق المعونة الوطنية، فإن هناك نحو 64.6 ألف أسرة ترأسها نساء تتلقى معونات شهرية من الصندوق، في حين هناك 4.4 ألف امرأة لا معيل لها/ عزباء تتلقى معونات.
وبين الناطق الإعلامي باسم دائرة الافتاء العام الدكتور حسان أبو عرقوب، أن الشريعة الإسلامية أوجبت نفقة الزوجة والأولاد الصغار على الزوج، لكن إن بادرت الزوجة بالإنفاق على بيتها سواء في حال قدرة الزوج على الإنفاق أم في حال عسره عن ذلك، ونوت القربة لله تعالى بهذه النفقة، فلها الأجر العظيم.
وأضاف لقد خص الله سبحانه وتعالى القرابة بمزيد من العناية والرعاية والقيام على حاجاتهم بالنفقة ومعلوم أن نفقة القريب والولد فيها أجران: أجر النفقة، وأجر الصلة (صلة الرحم)؛ فخصَّ الله ذكرهم وقدمه على سائر من أمر بالنفقة عليهم إشارةً منه سبحانه لعظيم حقهم وجزيل المثوبة على القيام بهذا الحق.

ايمان المومني