القدس فلسطينية عربية والمأساة
في المسجد الأقصى الشريف، تتعالى وتيرة الصراع بين الشعب الفلسطيني من جهة وبين جيش الاحتلال الصهيوني، والسلطات الدينية اليهودية المتطرفة من جهة أخرى، وأصبح المجرمون يقتحمون المسجد كل يوم صباحا ومساء، حيث حدثت مواجهات بينهم وهم مدججون بالأسلحة وبين الشباب الفلسطينيين العزل من أي سلاح، والذين يحاولون منع الجيش المجرم وقطعان المستوطنين المتطرفين من دخول المسجد، وتعرض أكثر من 150 شابا فلسطينيا لإصابات بالرصاص المطاطي، وتم اعتقال أكثر من 400 فلسطيني .. ومازالت الاقتحامات متكررة من قبل المتطرفين اليهود المدعومين بقوى من جيش الاحتلال الصهيوني.
الفلسطينيون وحدهم من يجابه بصمود وثبات الآلة العسكرية الإسرائيلية المجرمة في الأقصى، وسياسيا، الأردن كذلك؛ يجابه وحيدا وبثبات المحاولات الصهيونية المتكررة للسيطرة على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، بحكم الالتزام بالوصاية الهاشمية الأردنية التاريخية على المقدسات الفلسطينية، كالمسجد الاقصى وغيره من المواقع المقدسة عند المسلمين والمسيحيين، ولا يوجد ولا جهة أخرى سياسية أو شعبية تواجه هذا التطرف الصهيوني الإجرامي.
حين يقول الأردنيون بأن القدس ومقدساتها خط أحمر، فالفلسطينيون هم من يترجم هذه المقولة في كل مرة، سواء بالمواجهة داخل المسجد الأقصى أو على بواباته، كما يترجمها الأردن بالثبات والصمود وعدم التنازل عن الوصاية الهاشمية، ويدفع الطرفان الكثير جراء هذا الالتزام، ومعنى الخط الأحمر وما يرمز إليه لا يفهمه المتطرفون ولا دولة الإحتلال المجرمة، وسوف يشعرون بالصدمة من ردة الفعل في ظروف لا يتوقعونها، فاللعب بالنار ليس له إلا نتيجة واحدة وهي الإحتراق بالنار نفسها، فإن كانت المعارضة اليمينية المتطرفة تدفع بقطعان المستوطنين والجماعات الدينية المتطرفة، لافتعال أزمة سياسية في وجه الحكومة الاسرائيلية، فستكون الازمة أكبر من مجرد أزمة حكومية داخلية، بل ستكون بين الشعب الفلسطيني البطل وفصائل المقاومة الفلسطينية التي أثبتت سابقا بأنها يمكنها الرد، وبين اسرائيل كلها، وخارجيا سيتولى الأردن تحفيز هذا الملف ليحتل صدارة الاهتمام العالمي، في وقت أصبح فيه العالم لا يتناول أية قضية صراع عالمية إلا بالمقارنة مع مأساة الشعب الفلسطيني، الذي ما زال يقبع تحت نير أسوأ وأطول احتلال.
الرأي العالمي يتسع اليوم لمثل هذه المقارنات التي تأتي لصالح القضية الفلسطينية، وتسلط مزيدا من الضوء على الشرعية الدولية التي تعاني فصاما وتكيل بمكاييل مختلفة تبين مقدار التغاضي عن حقوق الشعب الفلسطيني، ودعم الإجرام واحتلال أراضي وأوطان الآخرين، بينما تدعم صراعات أخرى وتشرعن لشعوبها ولكل المتطوعين مواجهة جيوش لدول أخرى، كما يحدث في اوكرانيا ضد الجيش الروسي، واستجلاب مقاتلين من كل أصقاع العالم، ودعمهم بالسلاح والمال، واعتبار قتالهم للروس شرعيا مقدسا أي ليس ارهابا، بينما تعتبر مجرد صمود الفلسطينيين ارهابا، يستوجب قتلهم حتى وإن كانوا عزلا من أي سلاح أو مقاومة.
أي صراع ومواجهة واشتباك في فلسطين، ومهما كانت نتائجه الميدانية قاسية على الشعب الفلسطيني، فهي في النهاية لصالحه، لأنها تبرز الحق الفلسطيني بدولته وحريته وحقوقه الأخرى الكثيرة، حتى مقاومة ومحاربة جيش الإحتلال ستكون في صالح القضية الفلسطينية مهما كانت نتائجها العسكرية، فالعالم كله اليوم متابع للصراعات الدولية، ومتأهب للمقارنة والتفريق بين أصحاب الحق وحقهم بالدفاع عن انفسهم، وبين الاجرام والاحتلال ودعمه بالمال والسلاح لمزيد من تدمير وقتل وتخريب وسطو على الآخرين..
الدستور