إسرائيل الجديدة..الميت حد طبيعي
يظن بعض الناس أنه حينما يلجأ للتعصب لإثبات وجهة نظره الباطلة فإنه قد يحولها إلى حق، وهذا اعتقاد خاطئ، إذ أن من موجبات إثبات وجهات النظر سوق حزمة من الأدلة والشواهد التي تدفع عنها البطلان.
إسرائيل أعلنت قبل أيام أن المغطس يقع في الجانب الغربي من نهر الأردن أي في الجانب الإسرائيلي، وهي بذلك لا تمارس سوى ما تعودت عليه، فرغم أن فلسطين كنعانية إسلامية، والنجمة السداسية كنعانية وحتى الشمعدان كنعاني، إلا أن إسرائيل تمكنت من قلب كافة الحقائق المتعلقة بتأريخها في منطقة فلسطين، هي عبقرية في التزوير والتشويه.
الإفصاح الإسرائيلي عن أن المغطس يقع في جانبها وعلى أرضها المغتصبة من الشعب الفلسطيني، يحملني لاعتبار ذلك بمثابة بداية صراع ومواجهة مع الأردن في ظروف خاصة ولأهداف محددة.
تعلم إسرائيل أن السلطات في مصر غير راغبة بتزويدها بالغاز الطبيعي، وأن العلاقات مستقبلا تحكمها رياح الفكر الثوري الجديد، كذلك بالنسبة لسورية التي قريبا جدا سيجد فيها العرب السنة موضع قدم بعد غياب طويل، ما ينبئ بحالة من السيولة ستصيب الحدود الجامدة ما بين سورية وإسرائيل، كذلك ستجد إسرائيل الفرصة مواتية للتخلص من حزب الله بعد اندثار مموله الرئيسي.
أزمة الطاقة والعواصف السياسية التي اجتاحت المنطقة العربية وانضمام الأردن لدول الخليج العربي، دفع بإسرائيل لاستفزاز الأردن وإعلان أن مغطسهم أصح من مغطسنا، وهذه بالطبع بداية لصراع أقوى ومباشر وليس باردا أو من تحت الطاولة.
فكرت وخططت إسرائيل منذ ستينات القرن الماضي بإنشاء قنوات مائية تجر مياه المتوسط لتصب في البحر الميت، ولكن المشروع لا يعلم عنه إلا أنه توقف بعد احتجاجات الاردن والعرب في الأمم المتحدة، إسرائيل أظنها كاذبة فيما يتعلق بتعليق أعمال المشروع وأظن أن المشروع اكتمل لعدة أسباب.
يمكن هذا المشروع إسرائيل من توفير المياه اللازمة لمفاعلاتها النووية الجديدة، ويوفر لها الطاقة الكهربائية اللازمة للتشغيل والإنارة، كما يصنع لها درعا حيويا إذ أن المسطحات المائية التي تنوي صناعتها على الحدود مع الميت تشكل حصنا يعيق حركة الآلات المدرعة باتجاه إسرائيل.
كما يخلق في منطقة الجبال المحاذية للميت من جهة إسرائيل بيئة للاستجمام، تسمح بتدفق الاستثمار السياحي من أوسع الأبواب.
في المقابل سيخسر الأردن وبشكل فادح، إذ سيفقد سلة خضاره ممثلة بالغور، كما سيفقد مقومات السياحة العلاجية والدينية، بعد أن تغمر المياه جل أراضي المنخفض الغوري، إلى جانب تعطل عمل شركة البوتاس وتوقف الاستثمار السياحي.
قد تقوم إسرائيل بهذه الخطوة بشكل مفاجئ دون أن تراعي إلا ولا ذمة فينا أو في مواثيق الأمم المتحدة، هذه الإسرائيل باتت عطشى للتوسع وحماية نفسها بعد أن تعالت أصوات في الحراك الثوري العربي تطالب بمسح إسرائيل عن وجه المعمورة، وبرغم أننا معها رائعون وصادقون إلا أن عهدها مشكوك فيه، إذ لمحت من قبل أن وادي عربة شوكة في حلق طموحاتها في التهجير والتوسع.
مؤخرا ظهرت إشارات سواء لعضو الكنيست دان أو غيره كذلك الخطوة الجريئة بإعلان عدم احترامها للشعب الأردني والقيادة الأردنية بالقول أن المغطس "مش " مغطسنا، هذا المروق على المشاعر لا يفسر إلا بأن إسرائيل على أبواب حركة جديدة ستسهم على ما يبدو بشكل حاد في صناعة إسرائيل الجديدة، مستغلة ظروف النفير الثوري في البلاد العربية التي من المعروف أنها تضعف الدولة وتحد من إمكاناتها المختلفة.
للحؤول دون إسرائيل الجديدة وجب علينا وعلى أشقائنا في الخليج العربي وما ستفرزه الأجواء المصرية من سحابات، التفكير بآليات عمل مشترك تردع هذه الوحشة من أن تنسعر في وجهنا، أولا بالتأكد من عدم وجود مثل هذا المشروع المائي على الأرض، وثانيا الضغط على المجتمع الغربي لتفكيك مفاعلات إسرائيل، وثالثا إقامة الدولة الفلسطينية باعتبارها ضمانة حقيقية لعدم عودة إسرائيل التفكير بأسلوب توسعي.
لا نتعجب إن فكرت إسرائيل بملء منطقة الغور الأردني بالمياه لخلق حد مائي على طول الحدود مع الأردن، بعد أن تعلن أن أريحا دولة فلسطينية تتبع(...) هي نسبت لنفسها النجمة السداسية والشمعدان برغم أنهما رمزان كنعانيان وأضافت لسجلها الفادح بالكذب المغطس، المقدرة على التزوير تفوق الخيال والركون للأمم المتحدة في مثل هذه القضايا لا يجدي نفعا على المدى البعيد وكذلك الحلول الفردية.