نتائج الثانوية العامة؛ نجاح أم فشل؟
أثارني هذا الخبر مع علمي بتكرره لعشرين سنة خلت: "بلغت نسبة النجاح العامة لامتحان الثانوية العامة "التوجيهي " للعام الحالي في دورته الصيفية 49.4 %؛ إذ بلغ عدد الطلبة المتقدمين لجميع المباحث 127615 مشتركا ومشتركة من أصل 130710، نجح منهم 63137 طالبا وطالبة، وفق وزير التربية والتعليم تيسير النعيمي. "
لنبدأ بالثوابت ثم ننطلق في النقاش:
أن مستوى التعليم في الاردن ليس من الأوائل الخمسين في العالم! والدول التي تزاحم بالمنافسة تنظر الى كيف اكون الأول او كيف أكون من العشر الاوائل ولا تضيع وقتها بالافتخار الزائف بالقول ان نظامنا التعليمي قوي! هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى فان مخرجات التعليم ونجحات أهدافه العامة والخاصة يجب الا تقل عن 80 الى 90% سنويا او مرحليا، وبناء عليه فيجب ألا تكون نظرتنا بترديد كلمات النجاح المحدود: البلد خرّجت مهندسين واطباء وفيها وفيها...، وجدتي كانت لا تقرأ ولا تكتب ومع ذلك خرّجت أجيال كلهم قادة ووووالخ! هذه النجاحات المحدودة والتي صُمم نظام التعليم (الالزامي والعالي) ليخرّجها هي ال 10% الذين تمتعوا بظروف أهّلتهم للنجاح مع ان نجاحهم شبه مضمون لأنهم أذكياء المجتمع ويعرفون كيف يجدون الطريق. أما المشكلة الحقيقية فتكمن في ال 90% من اولئك الذين يكوّنون الطبقة الحقيقة للاقتصاد والاسرة والمعرفة والانتاج وهم الذين ظلموا بمنطق وفلسفة التعليم السابق والحالي؛ ان فشل 51.6% من طلاب الثانوية العامة يوجب على المسؤؤلين تحمل مسؤؤلياتهم وعدم التمترس خلف الادارات المهترئة التي استطاعت ان تغش اكثر من مئة الف طالب وطالبة سنويا؛ فلزم معرفة الخلل والشروع في اصلاحه
والحل يكمن وبكل بساطة في اعتماد البرامج الدولية ودراسة ملاءمتها لطلابنا مع العلم ان معظم المدارس الخاصة تنتهج نهج البرامج الدولية عوضا عن البرنامج الوطني! وبرأيي وكما تفعل الجامعات في امريكا فيمكن الاعتماد على ما يلي لضمان مخرجات تعليم تتناسب وقدرات الطلاب ومتوافقة مع احتياجات السوق الحالية والمستقبلية:
مربط الجمل: ان تعتمد الجامعات والكليات التقنية في قبلوها على ثلاثة عوامل مترابطة (وليس علامة التوجيهي فقط) العامل الاول: معدل صف الثاني عشر ، والذي تقوم به كل مدرسة على حدة، والعامل الثاني: معدل الامتحان العام للمعلومات العامة وكل في تخصصه، فطالب العلمي يمتحن بالمعلومات العامة التي تختص بالمواد العلمية، وطالب الادبي بالمواد الأدبية وهكذا، وهذا الامتحان يمكن للوزارة ان تقوم به او ان يسند الى شركات، والمهم فيه شمولية الامتحان بالتركيز على ما لايسع الطالب جهله من الأبتدائي الى اخر صف دراسي، ورفع نسبة كفاءة وأداءالتعليم العام من الالزامي الى الصف الثاني عشر. والعامل الثالث: فيكمن في نشاط الطالب الصفي والمجتمعي وماذا قدم لنفسه ليرفع من مستواه فيما يحب، وذلك بفتح أبواب الساعات المعتمدة له، ومثال ذلك: اذا كان الطالب محبا للحاسوب فيستطيع أن يحصل على ساعات معتمدة ودورات خارج المنهج المدرسي ليقوي مهاراته في الحاسوب! وهكذا...وننظر الى اهتمامات ونجاحات الطالب في سن مبكرة، أي من الصف التاسع ونأخذها بعين الاعتبار حتى نهاية الصف الثاني عشرفنشغله فيما ينفعه بدلا من سنوات ضياع حتى انتظار التوجيهي ليشد من أزره! أما ان نترك الطالب ينجح في الثانوية العامة ثم يفكر ماذا يدرس نكون قد جنينا عليه ست سنوات هي الاهم في حياته!
الخطوة الأولى: أن تقوم وزارة التربية والتعليم باعتماد البرنامج الدولي في المدارس الحكومية وتضيف اليه حرية المدارس في منح شهادة الثانوية العامة مع حق الوزارة في وضع معايير خاصة تستطيع من خلالها معرفة المدارس الناجحة من المتخلفة وحق التدخل السريع في تغيير الادارات وزيادة الحوافز أو العقوبات وما الى ذلك، وهذا الامر يعطي المدرسين هيبتهم وللمدارس مكانتها، ويجعلها اكثر مسؤؤلية وبالتالي فان انتاجها يزيد بدلا من ان ينقص
الخطوة الثانية: أن تقوم وزراة التعليم العالي بخلق امتحان لمعرفة مستوى كل طالب على حدة ويشمل الامتحان اساسيات اللغة والعلوم والحاسوب والفروع الأخرى، وهذا الأمتحان لا يغطي التوجيهي فحسب بل كل ما لا يسع الطالب جهله حتى يكون جاهزا ومعطاء عند قبوله في الجامعة او في الكليات التقنية. وهذا الامتحان يمكن ان يعقد مرة كل شهرين او ثلاثة ويمكن ان يسند لشركات تعليمية خاصة.
الخطوة الثالثة: تغيير معايير القبول في التعليم العالي بناء على مخرجات التعليم الثانوي أي ان الجامعات مفتوحة الابواب لكل من يقدم علامات عالية في الامتحان العام وشهادة الثانوية العامة ويثبت مهاراته وتفوقه والساعات الاضافية المعتمدة ، وايضا الا يغلق الباب لكل من يحاول المرة تلو الاخرى فليس من اهداف التعليم التعجيز والتنكيل بل المساعدة بالتعليم
الخطوة الرابعة: أن تسمح وزارة التربية والتعليم للطلاب (للراغبين) من الصف التاسع او العاشر بدراسة ساعات معتمدة لدى الجامعات والكليات وحسب انظمة معينة، ففي أمريكا تقوم بعض المدارس بمنح شهادة الدبلوم مع شهادة الثانوية العامة للذي اكمل 63 ساعة معتمدة وأكمل متطلبات ساعات الثانوية العامة! فلماذا نمنع طلابنا من الابداع ان استطاعوا!
وأخيرا، فان فشل ما يقارب من 48% في الحصول على الثانوية العامة أمر لا يستهان به، وأرجو الا نفرح بنجاح 52% لا بل يجب ان نحاسب كل مسؤؤل عن هذه النتيجة. ان تغيير نتيجة الفشل من 48% الى 10% مثلا سوف يعني مشكلات اقتصادية اقل، ويعني قرارت صحيحة على جميع المستويات، فالطالب الواعي سيكون المدير الواعي الذي سيصمم طرق افضل، ومصانع افضل، وسفراء افضل، وقادة افضل، وعلماء افضل، في عالم انتقل من الفاعلية والنجاح الى القوة والعظمة والتأثير، والله الموفق