متوالية أوكرانيا الهندسية من طهران إلى المنامة
كشف الاتحاد الأوروبي عن إحراز تقدم في استئناف المفاوضات النووية مع إيران، في حين قال محللون إن اتفاقًا مع إيران قد يضيف مليون برميل أخرى من إمدادات النفط إلى السوق.
التقدم المعلن ارتبط بشكل كبير بارتفاع التوتر بين اوروبا وروسيا على خلفية اعلان تقديم فنلندا طلبا للانضمام الى الناتو، مترافقا مع اقرار الكونغرس الامريكي مساعدات بقيمة 40 مليار دولار لأوكرانيا؛ لينعكس ذلك كله على شكل تخوفات اوروبية من قطع روسيا امدادات الطاقة الغاز والكهرباء، في مقابل تهديدات اوروبية بفرض مزيد من العقوبات على روسيا بحظر نفطي كامل؛ توترات بلغت ذروتها اليوم السبت بوقف موسكو إمداد فنلندا بالطاقة الكهربائية.
كما هو واضح، كم هائل من المعلومات والمتغيرات المتفاعلة يمكن ملاحظتها في الفقرة أعلاه، ومتغيرات تتفاعل بعنف وقوة في القارة الاوروبية وداخل منظومة الاقتصاد العالمي، متخذة مسارات متعددة؛ فالصين رفعت من معدل وارداتها النفطية من روسيا، في مقابل خفض وارداتها من ايران، ما فتح الباب للدول الاوروبية على الاستعانة بالنفط الايراني لتعويض النقص المتوقع في واردات النفط الروسية التي بدورها (أي: موسكو) أعدت لهذه الخطوة بتوقيع مزيد من العقود الآجلة والعاجلة مع الصين لتوريد النفط إلى الاسواق الصينية التي تعمد الى استيراده وتخزينة بأسعار منافسة للنفط العربي.
متوالية هندسية سرعان ما ظهر أثرها في منطقة الخليج العربي؛ اذ دفعت دولًا عربية إلى خفض سعر النفط المصدر إلى الاسواق الآسيوية لمواكبة التحولات الناجمة عن انخفاض الطلب الصيني في ظل الإغلاقات، والمنافسة القوية المتوقعة للنفط الروسي؛ فأوكرانيا وتوسع الناتو أطلق سلسلة من التفاعلات على شكل متوالية هندسية كان أحد محطاتها مفاوضات فيينا النووية.
العودة الى طاولة المفاوضات مع طهران في فيينا؛ أملًا بالوصول الى حل سريع ينقذ القارة الاوروبية والاسواق العالمية التي يتوقع ان تخسر 3 ملايين برميل نفط قادمة من روسيا نتيجة العقوبات الغربية، ما رفع أسعار الطاقة، لترتفع معها توقعات التضخم الذي عصف بالقارة الاوروبية، متجاوزاً حاجز الـ 8% والتي تفاقمها معدلات التضخم والفائدة العالية في أمريكا اذ قارب سعر ليتر البنزين خمسة دولارات، في حين تجاوز الديزل هذا الرقم؛ ما يجعل من النفط الامريكي ومشتقاته خيارا سيئا وبائسا للقارة الاوروبية وأمريكا في الآن ذاته؛ فواشنطن ما زالت تبحث في خياراتها لكبح جماح التضخم وارتفاع الاسعار، ومزيد من الصادرات إلى اوروبا ستعني أسعار نفط اعلى في أمريكا؛ ليرتفع معه التضخم؛ ولتفقد الفائدة المرتفعة أثرها المتوقع.
فوضى كبيرة تأمل الدول الاوروبية وأمريكا في التخفيف من آثارها ومعالجتها باللجوء الى طهران التي استقبلت الشيخ تميم بن حمد أمير دولة قطر الخميس الفائت؛ فطهران والدوحة ملاذ الأسواق الاوروبية والامريكية التي تعاني من التضخم، بل ملاذ روسيا التي تسعى الى دور إيراني اكبر في سوريا يخفف من الاعباء على قواتها، ويسمح بسحب المزيد من جنودها في سوريا الى اوكرانيا.
حديث اوروبا ومفوضها جوزيب بوريل حول قرب انفراجة في المفاوضات، وقرب الوصول الى اتفاق في هذا السياق يعتبر معقولا جدا؛ فإيران على وشك تحقيق اختراق كبير يخرجها من دائرة الاستهداف الاقتصادي المباشر.
اتفاقٌ أحوج ما تكون إليه طهران في ظل ازمة اقتصادية ومجتمعية متفاقمة من جهة، لكنه ومن جهة أخرى سيكون فرصة ستُواجه بتحد كبير تقف على رأسه حكومة الاحتلال الإسرائيلي المأزومة، والفاقدة لتوازنها، إلى جانب دول الخليج العربي وعلى رأسها السعودية التي تتأرجح بدورها بين الاستفادة من ارتفاع اسعار النفط في تحقيق فوائض اقتصادية، وبين احتواء خصومها في طهران، والحصول على ضمانات غربية في اليمن وفي البحر الاحمر والخليج العربي.
ضماناتٌ عمدت أمريكا إلى توفيرها عبر طرح شراكة أمنية جديدة أطلق عليها قائد الأسطول الخامس وقائد قوات "السينتكوم" المنطقة المركزية في البحرين براد كوبر القوة البحرية المختلطة (153) لحفظ أمن البحر الاحمر وباب المندب وخليج عدن، والتي ستتولى قيادتها المملكة العربية السعودية نهاية الشهر القائم.
السبيل