القداسة إيرانية وضحية الكذبة عراقية
“الموت لخامنئي” شعار هتف به الإيرانيون في غير مناسبة في تحد واضح لهالة القداسة التي يسعى النظام الإيراني إلى أن يحيط بها الولي الفقيه ومرشد الثورة علي خامنئي وهو رأس السلطة الحقيقي. فلا قرار يمكن أن يُؤخذ في إيران من غير موافقته. هو قائد الإيرانيين في الحياة الدنيا وشفيعهم في الآخرة. وهو من وجهة إيرانيين المسؤول الأول عن مصائبهم وعزلهم عن العالم وسياج الكراهية الذي تُحاط به إيران عالميا.
بالنسبة إلى النظام الإيراني فإن المس بـ”خامنئي” يعد انتقاصا شريرا من هيبة الدين والدولة والنظام. ذلك ما يجعل أي ذكر له بطريقة سيئة أشبه بالكفر الذي يجب أن يُعاقب عليه القانون. غير أن تلك القداسة بكل ما تنطوي عليه من محظورات لم تعد حكرا على الولي الفقيه بل اتسعت لتشمل قاسم سليماني وأبومهدي المهندس اللذين قُتلا في غارة أميركية بداية عام 2020 في العراق. لذلك كان من الطبيعي أن تمتد تلك القداسة إلى العراق الذي يحيط النظام الحاكم فيه عددا من الشخصيات الحية والميتة بقانون “الخط الأحمر” الذي يجب ألّا يتخطاه أحد.
فـ”السيستاني والصدران محمد باقر ومحمد صادق” لا يمكن المس بهم والتشكيك بمكانتهم التاريخية، تنافسهم في ذلك شخصيات سياسية تحوم حولها شبهات القتل والفساد مثل نوري المالكي ومقتدى الصدر وزعماء الميليشيات المقربين من إيران. إنهم أئمة العصر الذي يعيشه العراقيون في كوكبهم الذي ينأى عن العالم ليلتحق بإيران ويدور في فلكها مجردا من تاريخه ومنزوعا من محيطه العربي.
وإذا ما كان عراقيو إيران قد ألقوا أحذيتهم على محمد باقر الحكيم يوم كان مقيما في إيران فإنه حظي بتكريم لم يحظ به سوى الأئمة من قبل عراقيي الاحتلال بعد أن قُتل في حادث تفجير إرهابي. ضريحه لا يقل هيبة عن ضريح أي إمام مقدس لدى الشيعة. إنه مزار وسيكون يوما ما أحد الأضرحة التي يتبارك بها زوارها كما هو الحال مع عشرات الأضرحة المنتشرة في المدن ذات الأغلبية الشيعية والتي أنفقت المليارات على إقامتها وتشييدها وتذهيبها والعناية بها وصيانتها وتخصيص كادر للعمل فيها.
ولو عدنا إلى حقيقة الحكيم لعرفنا أنه لم يكن سوى أحد عملاء إيران الصغار والرخيصين ولم يكن رجل دين مجتهد وليست لديه أية نظريات في ذلك المجال. ولكن ذلك ليس له شأن بالقداسة التي تفرضها إيران على أتباعها. هناك أوامر إيرانية يجب تنفيذها وهي أوامر تهدف إلى تكميم الأفواه وإضفاء هالة وهمية ومخادعة وكاذبة على أشخاص لم يكن لهم أي دور إيجابي في خدمة البشرية بل على العكس من ذلك تماما. كانوا مجرد قتلة ومجرمين أضر وجودهم بالحياة كما هو حال سليماني والمهندس اللذين كان مقتلهما بداية للأمل في تحرير العراق من الهيمنة الإيرانية بالنسبة إلى العراقيين.
ولأن إيران تخلط بين الدين والسياسة فهي دولة ذات نظام ديني فإن القوانين المدنية لا بد أن تخضع للرؤية الدينية. لذلك لا بد لشخص يعتبر نفسه وصيا على الأمة وشفيعا لها يوم الآخرة مثل خامنئي أن يكون مقدسا وألّا يسمح لأحد بالمس به وهو ما لا يُفرض على الإيرانيين وحدهم بل على كل الشعوب التي تعتبرها إيران تابعة لها وتقع تحت وصايتها. ذلك ما يسر على عراقيي السلطة أن يعلو بشخصياتهم إلى مستوى القداسة وهو أمر لطالما قاومه العراقيون وسخروا منه حتى أيام الرئيس الراحل صدام حسين حين كان القانون ينص على معاقبة كل مَن يمس شخصية الرئيس بكلمة جارحة. لقد ذهب الكثيرون ضحية تقارير حزبية نسبت إليهم رواية نكات تسخر من الرئيس أو عائلته.
“الموت لخامنئي” ليست مجرد شعار عابر. فهي عبارة أشبه برمح يوجه إلى قلب النظام حيث يحتل خامنئي العقل والعاطفة فيه فهو الذي يدير شؤون الأمة “الشيعية” في الدنيا وهو مَن يشهد لأبناء أمته لكي يدخلوا إلى الجنة في الآخرة. ذلك ما يتحمله الفكر الشيعي المستند إلى الأعراف والتقاليد والطقوس الإيرانية بعد أن تم الاعتراف بكتاب “الكافي” للفارسي محمد بن يعقوب الكليني باعتباره كتاب الشيعة الذي ينقذهم من النار يوم لن يكون لهم شفيع.
وما الخط الأحمر الذي صار يتمسك به عراقيو الاحتلال إلا محاولة لإضفاء القداسة على شخصيات غارقة في الفساد والجريمة الضروريين، كونهما يخدمان المذهب ويدافعان عنه.
العرب اللندنية