من برج المراقبة الدراما الرمضانية تصطدم بوعي المشاهد
تناولت في مقالتي السابقة والتي نشرت في نفس الصحيفة "الديار" يوم الخميس الماضي وجاءت تحت عنوان الدراما العربية في رمضان والتي أثارت ردودا مختلفة من قبل القراء وخاصة الذين يتابعون البرامج التلفزيونية عبر الفضائيات العربية المختلفة المشارب والأذواق فتجد منهم الكثير معجبون بعدد من المسلسلات المنوعة والتي تشدهم للمتابعة وتدفعهم في كثير من الأحيان لتفويت واجباتهم الدينية من اجل متابعة هذا المسلسل التلفزيوني او ذاك .
اصبح معروفا لذينا ان شهر رمضان المبارك هو شهر مائدته الرئيسية البرامج التلفزيونية المتنوعة لطالما التي تتسابق الفضائيات على تقديمها ، سواء مسلسلات درامية أو كوميدية أو برامج دينية بالإضافة الى بعض المسابقات السهلة جدا والتي غالبا ما تكون هزيلة وسهلة ومغرية جدا للمشاهد وتدفعه للإتصال من اجل تحقيق الربح الذي تقدمه هذه المحطات التلزيونية والتي لايهمها بالأساس إلاجمع ألأموال الطائلة الناتجة عن كمية الإتصالات الواردة للقناة ، اما البرامج الثقافية فحدث ولا حرج إلاماندر منها مايكون جيدا ويستحق المشاهدة وفيه قدر لابأس به من المعلومات العامة التي يحتاج اليها المتابع ، ولايفوتني هنا ان أؤكد ان مثل هذه البرامج الثقافية المفيدة غالبا ما تكون نادرة وتنفرد بتقديمها النادر من المحطات الفضائية العربية ، وخاصة التي تقدم تنوعا جميلا ومحتوى جيد المتابع للفضائيات العربية فقد بوصلة المتابعة الحقيقية بسبب إزدحام الفضاء
بما يبث من غث وسمين، وبما يناسب ولا يناسب حرمة الشهر الفضيل، وإذا أردنا أن نقيّم ما يعرض وماذا يقدم لوجدنا كما اسلفت كمّا ضئيلا من الفائدة والمتعة الحقيقية البعيدة عن الابتذال والتكرار، ولكن السؤال الكبير الذي يطرح نفسه، كيف يقيم المتلقي أو المستهلك هذه البرامج هل هو راضٍ عما يقدم بخاصة في زمن نجد هذا المستهلك على درجة من الوعي والذكاء؟
هل لدينا الوعي الإعلامي الكافي كمجتمع عربي يتلقى هذا الزخم الكبير من المواد الإعلامية؟ وما ردة الفعل على ما يعرض مما لا يحترم الذائقة؟ وإذا ماستثنينا بعض البرامج الدينية الجادة والمفيدة والتي تتناول العديد من القضايا الدينية المهمة والتي تستحق منا المتابعة والإهتمام لما فيها من فائدة تعود على المسلمين وشباب المسلمين خاصة ، ولا يفوتني هنا ان أشير الى الوعي الذي يتمتع به فئة كبيرة من شبابنا في الوطن العربي ومما يؤكد ذلك ما إستمعت اليه وشاهدته من مواقف تعبر عن هذا الوعي ما قدمته القناة الفضائية الأردنية "رؤيا" ضمن برنامجها الثقافي الخاص بمناقشة الحلقات التلفزيونية التي بثتها بعض الفضائيات من بداية الشهر الفضيل وقد اثار المشاركون في الحوار احتجاجات على مسلسل محمود درويش أيقنت جيدا أن مشاهدنا العربي مشاهد ذكي يرفض أن يقدم إليه ما لا يعكس الحقيقة أو ما يقاربها وما يمكن أن يسيء لتاريخ رموزه ومبدعيه.
ولسنا هنا لإجراء عملية نقدية لما تقدمه الفضائيات العربية في الشهر الفضيل ، ولكن هذا لايعفينا من التصدي للمسلسلات والبرامج التي لاهدف لها سوى إضاعة وقت المواطنين وإلهائهم بما لايخدم مصالحهم او مصالح مجتمعاتهم مثل المسلسلات المحشوة بالغناء الرخيص والرقص المبتذل والذي يتنافى تماما مع تعاليم ديننا الحنيف عامة ومع فضيلة الشهر الكريم الذي خصه الله للعبادات ، ومعظم هذه المساسلات
تعتمد على الصراخ والزعيق والحركة " الأكشن" الذي لامعنى له سوى إثارة المشاهد ،وتعتمد على الاستعراض المبالغ فيه والذي ينقصه في كثير من الأحيان أحترام خصوصيات الشهر الفضيل لما فيه من مشاهد مخلة بالأداب العامة والأخلاق الحميده التي يجب علينا التمسك بها ورفض ما يخالفها ليس في هذا الشهر المبارك فحسب بل في كل الأوقات
ما يمكن أن أتحدث عنه أيضا هو النمط الجديد لمذيعي بعض القنوات العربية الأرضية والفضائية ، حيث نشاهد ونستمع الى برامج مختلفة يقدمها مذيعون جدد يفتقرون للأدوات إلإعلامية والى الحضور الجيد وجلهم من الشباب الذين استأثروا بتقديم هذه البرامج والذين يصرون على اجترار وتقليد عدد من المذيعين الأجانب وبطريقة لا تليق بالمنبر الإعلامي العربي الذي نسعى جاهدين لتأصيله في الوطن العربي بما يؤكد قدرتنا على التجديد والتطوير والإبداع بعيدا عن التقليد الأعمى الذي يؤثر سلبيا على مسيرتنا وعلى ثقافتنا وتقاليدنا الحميدة الإيجابية .والتي تشكل لدينا الوعي الإعلامي الذي تتحلى به مؤسساتنا الإعلامية وبالتالي تتحلى به مجتمعاتنا
.