بطرس بوتين وماكدونالدز الجديد
حدثان بارزان تزامنا في العاصمة الروسية موسكو الأيام الماضية. الاحتفال الكبير، وغير العادي بالذكرى 350 لميلاد الإمبراطور الروسي بطرس الأكبر، وبرعاية حثيثة من الرئيس فلاديمير بوتين. والثاني إعادة افتتاح سلسلة مطاعم ماكدونالدز الأمريكية بشعار جديد مشوّه للأقواس الذهبية الأربعة الشهيرة على واجهة تلك السلسلة.
حينما أغلقت ماكدونالدز فروعها ال 850 في سائر روسيا الاتحادية كرد فعل - قد يكون حياتيا أو فلسفيا- على الاجتياح البوتيني لأوكرانيا الجارة، حين ذلك لم يتوقع أحد أن تنهض هذه المطاعم لتقدم طعاما روسيا شعبيا بديلا عن الشطيرة العالمية المعروفة. بل إن البعض تنبأ بشدة أن تعود الفروع كلها لتقدم ذات الطعام بعد أن تدور حول نفسها، وتغير اسمها فقط، ليس لأن الشعب الروسي غير قادر على التخلي عمّا ألفه طيلة 32 عاما وعدّه ضربا من العولمة المشغوف فيها سراً وعلانية، بل لأن فكرة التغريب في حدّ ذاتها تعشّش في وجدانهم منذ بطرس الأكبر.
وهذا ما حدث بالفعل. فتحت شعار «الاسم يتغيّر، لكنّ الحبَّ يبقى» أعلن مالك السلسة الجديد ألكسندر غوفور عن افتتاح فرع ساحة بوشكين وسط العاصمة، باسمه الجديد «فكوسنو إي توتشكا»، أي شهي ونقطة، وبشعار يتمثّل في إصبعين من البطاط المقلية لونهما برتقالي، مع دائرة حمراء قربهما، وخلفية خضراء. وإن كنا لا نعرف ما الذي قصده غوفور بجملة «الحب يبقى»، إلا أننا سندرك فداحة، إن لم نقل قباحة الشعار الجديد وافتقاره إلى أدنى لمسات الإبداع والابتكار، حين نقرأ ما قاله شاب روسي من أنه يصعب التفكير بالطعام، بعد رؤيته.
العالم ما زال يتذكر بغرابة الطابور الطويل المنبعج أمام ذات الفرع مطلع العام 1990، أي قبل أقل من عامين عن انهيار الاتحاد السوفيتي، وانطفاء الحرب الباردة مع الغرب. ذلك الطابور كان بطول 30 ألف زبون في يوم الافتتاح فقط، وقد غدا أكثر الفروع استقطاباً للزبائن عالميا، بعد أن دخله أكثر من 140 مليونًا طيلة فترة عمله، أي ما يقارب عدد سكان روسيا.
بطرس الأكبر الذي يتخذه بوتين مثالا وملهما وبطلا وهاديا، لا سيما في سياسته التوسعية، وفي تناقضاته المعروفة في صفحات التاريخ ايضاً، والذي خاض حربا لمدة 21 سنة مع السويديين لانتزاع واجهة على بحر البلطيق أقام فوقها مدينته سانت بطرس بيرغ. هذا الإمبراطور كان مغرما بالغرب على طريقته التي تقارب إبداعات شعار: شهي ونقطة.
فبعد عودته من رحلة عرفت بالسفارة الكبرى إلى عدد من مدن أوروبية غربية، وانبهاره بالتقدم العلمي فيها، تشاءم من طول اللحى التي كانت تتدفق في وجوه الرجال في بلاده، وتغيب عن وجوه الغربيين؛ ولهذا سحب موسى حلاقته، وجزَّ لحى عدد من أفراد حاشيته الذين تململوا واحتجوا بصمت، ثم وبعد تفكير قصير فرض «ضريبة اللحية» التي ظلت مشهورة ومعمولا بها لعقود عدة بعده، وكانت تصل إلى 100 روبل سنويا على كل من يريد أن يحتفظ بشعر وجهه.
الحدثان العابران، وإن كانا يمثلان انتصار آنيا لطموحات بوتين التوسعية، إلا أنهما يحملان تململا جوانيا يعيشه الروس بصمت تحت رحمة موسى الحلاقة الجديد.
الدستور