تبعات تصدير " الغاز الاسرائيلي " الى اوروبا
تناقلت مختلف وسائل الإعلام العالمية نبأ توقيع الأتحاد الأوروبي في القاهرة لمذكرة تفاهم مع الجانبين المصري والاسرائيلي يتم بموجبها تصدير "الغاز الإسرائيلي" الى اوروبا .
الاتفاقية كانت نتيجة لبحث الأوروبيين عن بديل للغاز الروسي عقب غزو اوكرانيا .
كما هو معروف ، فإن هذه الاتفاقية الثلاثية جاءت عقب ما كان يعرف بمشروع " شرق المتوسط :" الذي يقضي ببناء أنابيب تحت البحر تصل الى قبرص فاليونان فإيطاليا ، غير أن هذه الاتفاقية ، ألغت مشروع غاز المتوسط واستبدلته بـ"غاز اسرائيلي " ينقل من خلال انبوب يربط حاليا بين اسرائيل ومصر ويصل الى محطتين مصريتين لتسييل الغاز ، ومن ثم يتم ضخ الغاز إلى الناقلات والإبحار به الى اوروبا .
والحقيقة المرة ، أن هذين الانبوبين الواصلين من عسقلان إلى العريش كان يتم بواسطتهما بيع الغاز المصري لإسرائيل منذ العام 2008 ، ولكن اسرائيل تمكنت من استخراج الغاز في العام 2018 ما قلب المعادلة وجعل مصر مستوردا رئيسيا للغاز من اسرائيل وليس العكس ، وعبر نفس الانابيب التي كانت تصدر الغاز للكيان ، وهي مفارقة مؤلمة في الواقع .
ويرجع سبب هذا التطور في النظرة الأوروبية ، إلى أن نقل الغاز بالبواخر اسرع حاليا من نقله بواسطة أنبوب يقال بأن بناءه قد يستغرق خمس سنوات أو أكثر ، بينما بالإمكان البدء بالتصدير عبر الناقلات خلال اقل من عامين .
وللعلم ، فإن استيراد اوروبا للغاز من الكيان العبري لن يغطي أكثر من 10 % من احتياجاتها ، اي ان اوروبا ستظل معتمدة على الغاز الروسي إلى أجل غير مسمى ، مع محاولات هنا وهناك للإستغناء عن مصدر القوة التي يستخدمها بوتين .
ولأن هذا الأتفاق الثلاثي له ما بعده ، بغض النظر عن نسبة الغاز المصدر للقارة الأوروبية ، فإنه سيصبح ورقة ضغط سياسية بيد الكيان ضد أوروبا التي طالما كان لها مواقف مختلفة نوعا ما عن الولايات المتحدة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية وثوابت قرارات مجلس الأمن ذات الصلة ،وما انتشر مؤخرا عن منع التجارة مع المستوطنات وغير ذلك ، وقد اتضحت قوة هذه الورقة الضاغطة من خلال الصمت الأوروبي المطبق أو التصريحات الخجلة بشأن جرائم اسرائيل في الضفة بحق الفلسطينيين والعجز الأوروبي عن اتخاذ قرارات كبيرة فيما يتعلق بما تدعيه من دفاعها عن حقوق الأنسان وكل هذه الأكاذيب التي لم تعد تنطلي على أحد .
ستتغير المعادلة ، وسيصبح للكيان نفوذ اكبر في السياسة الدولية بضغوط من سلاح الطاقة ، وليس بعيدا أن نرى أوروبا " محايدة " في كثير من الملفات ، تماما كما سنرى ضعفا ووهنا في مواقف كثير من دول المنطقة التي هي بحاجة للطاقة كما هي بحاجة للمياه .
إذن : هي اتفاقية خطيرة وذات ابعاد شتى ، ولكن أحدا لم يجرؤ على القول حتى الآن : بأن هذا الغاز " مسروق " من بحر وأرض كانت ولا زالت وستبقى تدعى " فلسطين " .
إنه غاز " فلسطيني " أيها السادة .
جي بي سي نيوز