إسرائيل: انتخابات جديدة وسياسات قديمة
فاجأ رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت بقراره دعم حل الكنيست والذهاب إلى انتخابات مبكّرة. لكن المفاجأة الأكبر كانت أن حكومته صمدت سنة بحالها، في ظل تناقضات داخلية لم يشهدها أي ائتلاف حكومي من قبل. وبعد هذا القرار تسير الأمور باتجاهين، حيث تجري تحضيرات علنية حثيثة للاستعداد للانتخابات، وتتواصل، بالمقابل، محاولات جدّية في الكواليس لإقامة حكومة بديلة. لقد سبق أن انضم الجنرال شاؤول موفاز إلى الحكومة، بعد تمرير قانون حل الكنيست بالقراءة التمهيدية وقبل تمريره نهائيا في القراءات الثانية والثالثة، وهناك من يريد إعادة التجربة، قبل أن يصادق الكنيست نهائيا على قانون حل نفسه.
حكومة انتقالية أم حكومة بديلة
إذا كان السؤال الأسبوع الماضي من يستقبل بايدن؟ لبيد أم بينيت أم نتنياهو. فبعد الإعلان عن وفاة الحكومة الحالية، بقي احتمالان: الأول أن يجري تمرير قانون حل الكنيست نهائيا والذهاب رسميا إلى انتخابات، وعندها ستكون حكومة انتقالية برئاسة يئير لبيد، وهذا الأرجح والثاني أن ينجح بنيامين نتنياهو في إقامة حكومة بديلة برئاسته وعدم الذهاب إلى انتخابات مبكّرة، وهذا الاحتمال ما زال قائما حتى الآن.
نتنياهو ليس متأكّدا أنّه سيحقق فوزا مطلقا في الانتخابات المقبلة، لذا يحاول تشكيل حكومة بديلة. وعلى الرغم من أن غالبية قيادة الليكود معنية بالانتخابات بالذّات لأن التقديرات والتسريبات تشير إلى أن نتنياهو لن يرشّح نفسه بعد المرّة المقبلة، وهذا يقرّب موعد الصراع على قيادة الليكود، وهناك على الأقل سبعة مرشّحين لهذا المنصب. لكن في المقابل يعتقد الكثيرون في معسكر نتنياهو أن لا أحد يعرف ماذا ستكون نتائج الانتخابات، وعليه يجب استنفاد إمكانية تشكيل حكومة لهذا المعسكر دون انتخابات. ويشارك في الجهود المبذولة بهذا الاتجاه، الزعيم الحالي لحزب «يهدوت هتوراة»، موشي جافني، ومعه الوزيرة اليمينية المتطرفة أييليت شاكيد، التي تسعى لضمان ترشيحها لاحقا في قائمة الليكود. لكن تشكيل حكومة بديلة يتطلّب تعاونا من وزير الأمن الإسرائيلي السابق بيني غانتس، الذي أجرى اتصالات حزبية مكثّفة مع الليكود في العام المنصرم، أو موافقة وزير القضاء جدعون ساعار، الذي أجرى مفاوضات متقدّمة للانضمام إلى حكومة برئاسة نتنياهو، لإنقاذ حزبه من السقوط في الانتخابات. في كلتا الحالتين، لم يحصل اتفاق لأسباب كثيرة، منها أن نتنياهو لم يكن مستعدا للالتزام بعدم الذهاب لانتخابات مبكّرة على حين غرّة، تفيده هو وتضر بكل منهما. يبدو الآن أن احتمال حكومة بديلة ضعيف، لكنّه وارد. وفي كل الأحوال سيحاول الليكود استعمال هذه الاتصالات في دعايته الانتخابية، لتكذيب ادعاءات ساعار وغانتس، بأنّهما لن يجلسا في حكومة مع نتنياهو. في المقابل ما زال «قانون المتهم» مطروحا، وهو ينص على منع من وجهت ضدّه لائحة اتهام من تشكيل حكومة، وما منع طرحه إلى الآن هو معارضة أعضاء في حزب «يمينا»، الذي يرأسه نفتالي بينيت، الذي صرّح هذا الأسبوع أنّه سيصوّت ضد القانون، إذا طرح هذا القانون فليس من المؤكّد أنه يمكن من الناحية القانونية التصويت عليه، وحتى لو مرّ فمن الأرجح أن تلغيه المحكمة العليا، التي سترفض، غالبا، تغيير قواعد اللعبة عشية الانتخابات. في كل الأحوال فإنّ النقاش حول تغيير «القوانين» سيكون في مركز الحملات الانتخابية، من مقترحات الليكود لما يسمّى «القانون الفرنسي»، الذي ينص على عدم محاكمة رئيس وزراء إلّا بعد انتهاء ولايته، وهو يلغي أو يجمّد عمليا كل الإجراءات القضائية الجارية ضد نتنياهو، في مقابل قوانين يطرحها معارضو نتنياهو تمنع «متهما» من تشكيل حكومة.
حكومة انتقالية مكبّلة
الاحتمال الأقوى هو أن يجري حل الكنيست ويتم تحديد موعد للانتخابات في نهاية أكتوبر المقبل، عندها سيحقق يئير لبيد حلمه بأن يصبح رئيسا للوزراء، حتى لو كانت حكومة انتقالية. من الناحية القانونية هذه حكومة تسيير أعمال يحظر عليها تمرير أو تغيير ميزانية وهي ممنوعة من تعيين كبار الموظفين وقيادات الأجهزة الأمنية، وهي مكبّلة بأمور كثيرة أخرى. لعل اهم التعيينات، التي يجري النقاش حول قانونية القيام بها، هو اختيار رئيس الأركان المقبل للجيش الإسرائيلي حتى نهاية العام الحالي وقبيل إتمام فترة ولاية الجنرال أفيف كوخابي. وقد بدأ وزير الأمن الإسرائيلي الجنرال المتقاعد بيني غانتس، لقاء المرشحين الثلاثة، هرتسي هليفي وإيال زمير ويوئيل ستريك. وإذ يميل غانتس إلى تعيين هليفي، سارع معسكر نتنياهو إلى التوجّه إلى المستشارة القضائية للكنيست لتجميد إجراءات الاختيار، بادّعاء العمل بمبدأ أن حكومة انتقالية لا تستطيع القيام بتعيين كهذا، لكن بدافع حقيقي هو تفضيل إيال زمير، المقرّب من نتنياهو، واعتقادها بأن هليفي ليس يمينيا بما فيه الكفاية. غانتس من جهته حذّر من أن عدم تعيين رئيس لأركان الجيش، أمر خطير ويسبب ضررا أمنيا ملموسا، وقال إنّه سيحاول إقناع نتنياهو وجهات أخرى بضرورة عدم التأجيل. أما المستشارة القضائية فقد أصدرت رأيا واضحا بعدم جواز التعيين، إلا في حالة عدم وجود بديل وإثبات قاطع بأن عدم التعيين سيجلب ضررا بالغا. ويدخل هذا النقاش قيادة الجيش الإسرائيلي إلى حالة من عدم الاستقرار والصراعات الداخلية، حيث يأمل بعض الجنرالات في أن تأتي حكومة نتنياهو وتتخذ قرارات مخالفة لما يبدو أنّه موقف غانتس. وقد حذّر العديد من الخبراء الإسرائيليين من مغبّة وتبعات الضبابية بشأن هوية رأس الهرم العسكري. أمّا من الناحية الاقتصادية فالحكومة ستكون مكبّلة، خاصّة بشأن رصد ميزانيات عسكرية إضافية لتطوير أو شراء أسلحة وتقنيات جديدة. وإذ يجري الحديث مؤخّرا عن نظام دفاع جوّي إقليمي تشارك فيه إسرائيل وعدد من الدول العربية، فمن المرجّح أن يطلب الجيش الإسرائيلي دعما عربيا إضافيا للتسريع في تطوير أسلحة جديدة، خاصة سلاح الليزر للدفاع الجوي، الذي تدّعي إسرائيل أنّها حققت في تطويره اختراقات مهمّة وتاريخية. وقد يلجأ رئيس الوزراء الجديد، يئير لبيد، إلى استغلال زيارة الرئيس الأمريكي وطلب زيادة الدعم، للتعويض عن تقييدات التمويل، التي تسببها الأزمة الحكومية، وليس من المستبعد أن يستجيب بايدن لتقوية مكانة لبيد، الذي يعتبر اليوم أقرب الساسة الإسرائيليين إلى الإدارة الديمقراطية.
انتخابات جديدة وسياسات قديمة
لقد تهاوت في السنوات الأخيرة النقاشات السياسية والأيديولوجية المعهودة في إسرائيل، واختزلت الخلافات الحزبية إلى سؤال مركزي واحد: مع أم ضد نتنياهو؟ وقد تلاشى حضور الأسئلة الأخرى، فهي إمّا لم تعد موضع خلاف، أو جرى تهميشها تماما. لقد كاد أن يختفي النقاش المعروف حول الاستيطان، ورغم أن حكومة بينيت استمرت به كالعادة وزيادة. فإنّ اليسار الصهيوني صمت وأصيب بالخرس، ما سهّل على لجنة رؤساء الجامعات في إسرائيل، بعد طول تمنّع، ضم جامعة مستوطنة اريئيل إليها، دون أن يثير ذلك نقاشا يذكر (وهذه بالطبع فرصة لتكثيف الدعوة لمقاطعة الجامعات الإسرائيلية).
لا يلوح في الأفق أي تغيير جوهري في السياسات الإسرائيلية، فحكومة بينيت كانت استمرارا لحكومة نتنياهو، وحكومة لبيد ستسير على هدى حكومة بينيت، ومهما كانت نتائج الانتخابات المقبلة فمن المؤكّد أن اليمين سيفوز فيها فوزا ساحقا، ويبقى الخلاف حول مع أو ضد نتنياهو لا أكثر. وعلى الرغم من أن المواقف الحزبية الإسرائيلية حول الأمور الجوهرية ليست بعيدة عن بعضها بعضا، إلّا أنه يبقى للانتخابات تأثير معيّن على الإسرائيليين، وعلى الفلسطينيين أكثر. وحتى لو كان الأمر لا يتعلّق بالقضايا الكبرى مثل مصير الاحتلال واللاجئين والقدس وغزّة، فإنّ التفاصيل في حياة الفلسطينيين ليست صغرى، حيث قضايا لقمة العيش والعمل وحرية التحرّك والسكن والأمن الشخصي، تهم كل مواطن فلسطيني، كما تهم أي إنسان في العالم، لكن هنا لا توجد قواعد واضحة، فحكومة بينيت مثلا كانت أسوأ بكثير من حكومة نتنياهو بكل ما يتعلّق بالقدس والأقصى والاستيطان، وحكومة نتنياهو، قد تكون أسوأ وقد لا تكون. وعليه ليس واضحا لأي مدى ستكون الانتخابات الإسرائيلية مؤثّرة، ولا مجال لتفضيل فريق على آخر. ما هو مطلوب موجود في مجال آخر تماما هو أن يكون للقرار الفلسطيني تأثير في الإسرائيليين وليس فقط العكس، وهذا يأتي عبر الوحدة وتفعيل النضال المتواصل، ووضع إسرائيل بين فكي كماشة الضغط المحلي والضغط الدولي، وعندها سيكون تأثير الانتخابات الإسرائيلية أكثر على الإسرائيليين وأقل على الفلسطينيين.
القدس العربي