لائحة من التنازلات الأمريكية لإيران
نشرت "إيران إينترنشنال" مساء أول من أمس ما قالت إنّه معلومات حول الاتفاق النووي تتضمن تنازلات أمريكية قدّمتها إدارة بايدن إلى الجانب الإيراني وفقاً لما يتداوله معسكر المتشددين في طهران.
وبحسب هذه المعلومات، فإنّ الاتفاق سيتضمّن فترة تنفيذ تصل إلى 120 يوماً، أي أربعة أشهر، تقوم الولايات المتّحدة خلالها باتخاذ عدّة تدابير تشمل الإفراج عن معتقلين إيرانيين كانوا قد خرقوا العقوبات على طهران سابقاً، والإفراج بشكل فوري عن 7 مليارات دولار لإيران في بنكين في كوريا الجنوبية والسماح لإيران ببيع 50 مليون برميل من النفط خلال فترة التنفيذ، وذلك بطرق قانونية وعبر القنوات المصرفية بموازاة رفع العقوبات عنها.
وتشير المعلومات التي نشرتها "إيران إينترنشنال" إلى أنّ بيع هذه الكمّية التي جرى تخزينها سابقاً في مرافق إيرانية تدر على النظام الإيراني حوالي 4 مليارات دولار مباشرة في الـ120 يوماً المخصصة لتنفيذ الاتفاق، علماً بأن هناك تقديرات تشير إلى أنّ طهران خزّنت في منشآت عائمة وأخرى على الأرض ما يقارب من 100 مليون برميل. أمّا العقوبات المتعلقة بالمصارف الإيرانية، فسيتم رفعها عن البنك المركزي وحوالي 17 مصرفاً تتضمن كيانات مختلفة لكي يتم تأمين العوائد عبر القنوات المصرفية الرسمية.
ووفقاً لما تمّ نقله من تفاصيل، سيتم رفع العقوبات عن حوالي 150 مؤسسة وكيان إيراني بعضها تابع للمرشد الأعلى وربما الحرس الثوري. كما أنه سيُصار إلى منح إعفاء للشركات المتعاملة مع إيران في حالة انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية وإعادة فرض العقوبات. لم يتم إعطاء تفاصيل حول مدة هذا الإعفاء، لكن هناك معلومات تقول إنّها قد تصل إلى عام واحد.
وبخصوص هذا البند بالتحديد، كان هناك الكثير من الحديث حول إعفاء الشركات الأوروبية على وجه التحديد من أي عقوبات مرتقبة في حال انسحاب الولايات المتّحدة من الاتفاق مرّة أخرى، على أن يدخل هذا المقترح في باب الضمانات التي كانت تطالب إيران بها إزاء الالتزام بالاتفاق النووي. وأخيراً، وإستناداً إلى ما ذكرته "إيران إينترنشنال"، سيقوم الجانب الأمريكي بالغاء ثلاثة قرارات أو مراسيم تنفيذية كان ترامب قد وقّعها سابقاً بعد الانسحاب من الاتفاق النووي.
غض الإدارة الأمريكية الطرف عن مبيعات إيران غير الشرعية من النفط والغاز مرتبط بحسابات جيوبوليتيكية، فضلاً عن احتمال مجيء إدارة متشددة إلى الحكم في الولايات المتّحدة وهو ما قد يقطع الطريق بشكل كبير على إمكانية حصول تسوية في الملف النووي.
يمكن تقديم عدد من التفسيرات فيما يتعلق بظهور هذه المعلومات في هذه المرحلة. إمّا أن تكون صحيحة، وهذا يعني انّ المتشدّدين في إيران شرعوا في الترويج لمكاسبهم من هذا الاتفاق من خلال التركيز على التنازلات التي قدّمها الجانب الأمريكي. لكن إذا ما صحّت هذه القراءة، سيكون السؤال: ماذا قدّمت إيران في المقابل؟
لا يوجد جواب على هذه الجزئية في المعلومات المسرّبة، فامّا انّ ذلك يحصل لجذب انتباه الداخل على المكاسب الإيرانية فقط، وإنّما انّ إيران لم تقدّم شيئاً وفي هذه الحال، سيكون إنتصاراً لها بالفعل.
أمّا الإحتمال الثاني، فهو أنّ تكون هذه المعلومات بمثابة مطالب إيرانية في حقيقة الأمر، وليست مقترحات أمريكية أو نقاط تمّ الاتفاق عليها بعد. وإذا ما صح ذلك، فهذا معناه أن جعلها علنية يهدف إمّا إلى رفع الضغط على الإدارة الأمريكية أو ربما تخريب الاتفاق المحتمل. من الصعب الحكم على هذا الأمر قبل إنتظار الرد الأمريكي على الملاحظات التي قدّمتها إيران ردّاً على المقترح الأوروبي، خاصّة أنّ واشنطن كانت قد قالت أنّها لن ترفع العقوبات التي تمّ فرضها خارج الاتفاق النووي. ومع أنّ هذه المسألة ليست حاسمة، ويمكن التلاعب بها، فإنّ رفع العقوبات عن بعض المؤسسات التابعة للمرشد الأعلى أو الحرس الثوري ستعدّ تنازلاً بالفعل ما لم تتم مقابل خطوة إيرانية أخرى.
وبخصوص الاحتمال الثالث، فقد لا تكون المعلومات صحيحة بتاتاً، لكن الطرفين الأمريكي والإيراني كانا قد عبّرا غير مرّة عن رغبتهما في العودة إلى الاتفاق النووي، فالرئيس بايدن كان قد وعد بذلك، والجانب الإيراني له مصلحة بالعودة، لكن المشكلة الأساسية تتعلّق بكيفية تسويق هذه العودة إلى الأطراف الداخلية في وقت يريد فيه كل طرف أن يقول إنّه لم يقدّم أي تنازلات وحصل في المقابل على أعلى مكاسب ممكنة. هذه المعادلة تتعرض كذلك لتحدٍّ داخلي في كل من واشنطن وطهران. إذا ما خسر الديمقراطيون الانتخابات النصفية، فمن الصعب جداً على إدارة بايدن أن تقبل بمثل هذه التنازلات دون مقابل حتى لو أرادت ذلك فعلاً.
على المقلب الآخر، فإنّ طهران لا تمتلك الوقت الكافي للتعايش مع الوضع الحالي. هناك ضغوط اجتماعية واقتصادية متعاظمة، وغض الإدارة الأمريكية الطرف عن مبيعات إيران غير الشرعية من النفط والغاز مرتبط بحسابات جيوبوليتيكية، فضلاً عن احتمال مجيء إدارة متشددة إلى الحكم في الولايات المتّحدة وهو ما قد يقطع الطريق بشكل كبير على إمكانية حصول تسوية في الملف النووي. الرفض المتبادل قد يؤدي في النهاية إلى تصعيد كبير، لكن حتى ذلك الوقت، ستحدد الملاحظات الأمريكية على الرد الإيراني المسار من معادلة التوصل إلى الاتفاق النووي.
عربي 21