إسرائيل «العدو»… متى تستيقظ «المؤسسة الأردنية»؟
قالها عالم المستقبليات والأكاديمي الصدوق والصديق الدكتور وليد عبد الحي في أطروحته المثيرة الأخيرة. نقفز فورا إلى الخلاصة «الأردن هو الخندق الأخير في المشروع الطموح الذي تآكل في السرد التاريخي لعدة مرات».
الأطروحة برمتها جزء من دراسة علمية مهمة للباحث لكن الأهم في إجابته الوجاهية المباشرة على سؤال طرحته عليه شخصيا: ما الذي دفعك لاختيار التوقيت الحالي قبل عدة أيام في إرسال تحذيرك الكبير؟
الإجابة مختصرة لا بل مفيدة: مراقبتي للجرعة التي تنمو وتزيد في استهداف الأردن الهاشمي في الدراسات المعمقة لمراكز الأمن القومي الإسرائيلي. لا يعني ذلك فقط أن ما يقوله منذ سنوات الدكتور مروان المعشر عن انقلاب إسرائيل على الأردنيين حكما وشعبا صحيح لكن يعني أيضا أن باحثا يزهد بكل أضواء الكون ومناصبه يقدم الأدلة البحثية العلمية على ذلك الانقلاب في سردية مثيرة تدفع للتأمل.
الانقلاب الإسرائيلي على الأردن الدولة وليس الشعب فقط لا يحتاج للمزيد من الأدلة والبراهين فهي يومية وآخرها كان تمكين المتشددين التلموديين من اختراق باب الأسباط في عمق المسجد الأقصى وبالتالي توجيه خنجر متصهين مجددا للوصاية.
إسرائيل التي يستقبل رئيس وزرائها المؤقت مائير لبيد في عمان كشريك محتمل، هي نفسها تلك إسرائيل التي تمنع نصب كاميرات لصالح الوصاية الأردنية وترفض زيادة عدد حراس وموظفي الأوقاف، وتنتهك يوميا كل ما هو مقدس للمصالح الأردنية العليا والدنيا.
هي نفسها إسرائيل التي تقرر استدراج الركاب الفلسطينيين عبر مطار رامون نكاية بعمليات تشغيل مطار عمان الدولي وهي نفسها الكيان الذي يرتكب يوميا حماقات وتعقيدات على الجسور تتسبب بالازدحام والشكوى، حتى يجد المسافر الفلسطيني قبل إرباك المسؤول الأردني حافلة إسرائيلية يقودها موظف تابع لمنسقية جيش الدفاع لكي توصله بسعر أقل الى مطار رامون الذي يهدد بدوره مسار حرية الطيران في مطار الملك حسين في العقبة ويعتدي على السيادة الأردنية مرات في اليوم كلما أدارت طائرة ما محركاتها.
إسرائيل اليوم هي التي تمنع بذرائع أمنية الطائرات الأردنية من السير عبر الأراضي المحتلة إلى المتوسط على ارتفاعات عالية وتصر على ارتفاعات منخفضة لأن الخبث والدهاء هنا يؤديان إلى زيادة كلفة محروقات الطائرة في الارتفاع المنخفض.
إسرائيل شريك السلام الوهمي هي تلك التي تزخر اليوم بالهتافات والشعارات الموتورة المتطرفة دينيا، والتي تزعم أن وطن الفلسطينيين شرقي النهر، وإسرائيل التي يدللها مسؤولون وموظفون بالجملة يوميا، ويداعبونها حرصا على بقاء أدوارهم ووظائفهم، هي نفسها التي رفضت مشروع الناقل الوطني ومشروع المطار المشترك في العقبة. وهي نفسها التي يرفض اليمين فيها بيع المياه للأردن بين الحين والآخر، بالإضافة أنها تمثل ذلك الكيان الذي قتل أردنيين بدم بارد ليس في القدس أو في الخليل المحتلتين، ولكن في وسط غرب عمان العاصمة وأيضا على الجسور والمعابر.
إسرائيل هي التي تبيع غازها مقابل صفقة غير عادلة مررت بليل مع أن هذا الغاز لا يمكن بيعه بعد استخراجه لا لقبرص ولا لليونان ولا لأوروبا ولا حتى لمصر أو سوريا أو العراق، فاشتراه بعملية غامضة الأردني الغلبان وبصفقة حضر من أجلها إلى عمان نائب الرئيس الأمريكي آنذاك ودون حتى وجود مفاوض ماهر يستبدل الغاز على الأقل بالمياه لري عطش الأردنيين.
الإصغاء إلى شخصية خبيرة ووطنية محترمة فاوضت الإسرائيليين وشاغلتهم من وزن الدكتور دريد محاسنة يعني ضمنا الإصغاء إلى سلسلة من خيبات التنفيذ وما بعد التفاوض البيروقراطية الأردنية والإصغاء ضمنا إلى خيبات وطنية كارثية، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن إسرائيل التي وقعت إتفاق وادي عربة لم تقدم ضمانات حقيقية من أي نوع اليوم لدعم الأردن وإسناد مبادئ عملية السلام ولو في الحد الأدنى.
الإصغاء هنا موجع ومؤلم وطنيا لأن الحكومة الرسمية لا تريد الاستيقاظ من وحل المؤامرة الإسرائيلية المتواصلة على الأردنيين ودولتهم، خصوصا بعد تسليم مقادير مهمة مثل الأمن المائي وأمن الطاقة ولاحقا أمن القمح والحبوب إلى حضن كيان محتل غاصب، لا تريد المؤسسة الأردنية اليوم الاعتراف بأنه عدو أو على الأقل لم يعد شريكا. كل المشروعات الاقتصادية الحيوية تعطلها وتعرقلها إسرائيل.
إسرائيل وبكل اللهجات حريصة على بقاء الأردن اقتصاديا على الحافة، فهو ينبغي أن لا يجوع جدا حتى يستثمر دوره في حماية وتأمين الحدود.
ولا ينبغي أن يشعر بأي شبع بأي لحظة لأن المطلوب اليوم هو ما قاله قبل سنوات مخضرم مثل عبد الرؤوف الروابدة وهو يسأل «نظام أم وطن بديل؟».
تركيع المؤسسات الأردنية هدف واضح للعدو الذي يشاغلها باسم السلام والجوار وعقدة التوازن والبقاء.
ماهي عدد الحقائق التي ينبغي أن تلطمنا حتى يستيقظ الأردني من وهم الشريك أو حتى «العديق» الإسرائيلي؟
القدس العربي