هل يتجه العالم إلى الأسوأ؟
يبدو أن الأمر كذلك استناداً إلى المعطيات الراهنة، وهذا هو الواقع إن أردنا الحقيقة وإن بدا قاسياً ومقلقاً ومفجعاً بدليل، ولكن لأن هناك قراءات وآراءً وتصورات عدة وصلت إلى قناعة بأن المشهد يتبلور ويسير إلى صورة مظلمة لما قد يحدث من تداعيات وأحداث. وهي مرحلة فاصلة يعيشها عالمنا الآن حرفياً على خلفية المتغيرات الإقليمية والدولية، ومليئة بتحولات واستحقاقات مختلفة عما واجهته هذه الدول قاطنة هذا الكوكب من قبل.
ورغم تسليمنا بعدم وجود حقيقة مطلقة في رؤية وتحليلات المفكرين والمثقفين وأصحاب الرأي، فإن القراءة لهذا الشخص أو ذاك لا تبقى سوى حقيقة نسبية. ولعل ما يرسخ هذا الشعور هو استقراء الأسباب، بمعنى أنه حين العودة لجذور الإشكالية نجد اختلال توازن القوى في العالم بعد المواجهة العلنية بين موسكو وواشنطن علاوة على الصين، ناهيك عن حالة العداء التي تتشكل بين الغرب وروسيا.
أميركا نجحت في الماضي وفي نهاية القرن الثامن عشر من إنهاء التهديد البريطاني، ومع مرور الزمن استطاعت في بدايات القرن العشرين من هزيمة الإمبراطورية اليابانية والنازية الألمانية، ثم تفرغت للاتحاد السوفياتي مستغلة الأدوات كافة حتى سقط وانهارت آيديولوجيته؛ ولذلك هي تتهيأ الآن للصين باستخدام الوسائل كافة لإضعاف نفوذها.
لم نعد نسمع اليوم كما اعتدنا من قبل تلك اللغة بين الكبار التي فيها شيئاً عن السلام والأمن والتعاون والاستقرار والتسامح والتعايش والحوار. لغة الساحة أصبحت غير مستساغة في يومنا الراهن كونها تميل إلى المشاكسة والتضليل والتوبيخ والتجاهل والانتقاد والاستهجان والتهديد والانتقاص والترويع والاستهداف والتشويه... وما إلى ذلك من معانٍ ومفاهيم.
بعد كارثة وباء «كوفيد – 19»، كنا نتوقع أن العالم استشعر حاجته إلى الاستكانة والخلود للتأمل والاسترخاء والتنفس بعمق ليستجمع قواه، وبالتالي مراجعة خططه وتصحيح أخطائه والبحث عن القواسم المشتركة للتعاون والتنسيق والذهاب إلى طريق التعافي كون المصلحة عامة والعائد على الجميع بلا شك.
غير أن الصورة ليست كما في المخيّلة، فلاحظ مثلاً إنفاق المليارات على الأسلحة من قبل الدول العظمى ما دفع العالم إلى المواجهة؛ ولذا زيادة سباق التسلح يجعل مهمة الحد منه معرّضة للفشل. نتذكر هنا أن ثمة مزاجاً عاماً في العقد الماضي كان يقول كفى سباق تسلح لأننا نريد الاستقرار في هذا العالم الذي نتشاركه، إلا أن الواقع يشهد توجهاً غير مسبوق في هذا المجال، خصوصاً مع تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، والامتعاض الصيني في التدخلات الدولية تجاه تايوان ومسلسل التوتر الدائم في شبه الجزيرة الكورية. صحيح أن العالم خرج للتو من عنق أزمة الجائحة واتجه للتركيز على قضية التغير المناخي والإرهاب والطاقة البديلة والمهاجرين، إلا أن أجواء الحروب لا تلبث أن تعود لأن بعض الساسة لهم وجهة نظر ليست بالضرورة تتسق مع منظومة المواثيق الدولية. ولذا؛ مع حرب روسيا وأوكرانيا وما ترتب عليها من نقص في الغذاء والطاقة، وكذلك التوتر الصيني وقصة «داعش» مع عودة «طالبان» تبين أن اللعبة الدولية في المشهد العام انتقلت إلى منطقة المحيط الهادي والهندي، وتبين ارتباك واضح في حلف شمال الأطلسي مع وجود قوة صاعدة صينية قلقة، بدليل ما يراه خبراء مختصون من أن تزايد حضور الصين سياسياً واقتصادياً أصبح يمثل قلقاً حقيقياً للغرب، وتحديداً الولايات المتحدة التي لا تراها إلا كمنافس استراتيجي.
أما الخلل الواضح فهو في الاستراتيجية الأميركية في المنطقة بدليل اندفاعها في مفاوضات الملف النووي الإيراني الذي يخطو باتجاه انهيار حقيقي للأمن الإقليمي مقابل قطف طهران للثمار بدعم مالي سنوي ضخم سيوظف كما نتصور في المستقبل في دعم أذرع إيران المتعددة في المنطقة؛ ما يعني بقاء الإرهاب عنصراً مستداماً في المنطقة ما دام بقي النظام الإيراني في الإقليم ومدعوماً من قِبل الإدارة الأميركية الحالية التي لم تستوعب مخاطر وأفعال وتمدد المشروع الإيراني. وهنا نستذكر عالمنا العربي الذي يئن من الجراح ويعاني ويصعب عليه الاستشفاء. مثلاً، شاهد ما يحدث في لبنان إزاء الاستحقاق الرئاسي، فالمدة الدستورية اليوم قد حلت ما يعني ضرورة البدء بالمشاورات وعقد الجلسة البرلمانية لترشيح رئيس جديد للدولة، لكي لا تأتي لحظة حساسة تكمن في فراغ دستوري بخلو منصب الرئاسة. ولكن يبدو أن القرار السياسي اللبناني ليس بيد الساسة اللبنانيين للأسف، ومن المعيب الحديث عن الاستقلال والسيادة والحزب الذي يعبث بكل شيء في البلاد وينفذ التعليمات وفقاً لما يأتي له من أوامر خارجية لا يأبه بمصلحة الوطن والشعب اللبناني.
أما في العراق، فالأمر أصبح مزعجاً ومحزناً في آن، وتبين أن القصة تدور حول فئة شجاعة تغلب مصالح وطنها على كل شيء مقابل فئة تعترف بأن ولاءها للخارج. معركة المواطنة والاستقواء بالخارج معادلة عصية أدخلت العراق في نفق مظلم لا أحد يعلم ما هي نهايته.
عندما تقترب ملفات المنطقة لحلول بتوافق دولي وفجأة تتعقد الأمور، عليك أن تفتش عن إيران التي تضع العراقيل وتفعل في الخفاء ما تنكره في العلن، ساعية لضمان وجودها ونفوذها في تلك الدول التي دمرتها.
الآن، وبعد ما تبين كل شيء، فإن المجتمع الدولي معني بالتصدي بقوة أكبر للتهديد الذي تشكله إيران وبما يكفل الامتثال لقرارات الأمم المتحدة؛ فالمسألة ليست تنديداً واستنكاراً بقدر ما هي مرحلة وزن لخطورة وجسامة أفعال طهران، وأن تكون الضغوط السياسية والعقوبات الاقتصادية أولى الأدوات المستخدمة لمحاسبتها.
هناك من يرى أن بناء حصن للهوية العربية والقومية في اليمن والعراق ولبنان وسوريا بات ضرورة لمواجهة النفوذ الإيراني عبر اختراق كل المكونات؛ لأنه لا يوجد حقيقة ولاء في تلك الدول للفكر الشيعي الثوري في إيران، وإنما لأسباب ومنافع مادية واقتصادية بحتة. بات ملحوظاً استشعار للمجتمع الدولي خطورة ما تفعله إيران وأذرعها «حزب الله» و«الحوثي» و«الحشد الشعبي»؛ ما قد يدفع باتجاه مواجهة دولية واتفاق جاد لتعزيز السلام في العالم، وذلك باللجوء إلى تقليم أظافر طهران المنتشرة في عالمنا العربي بقطع كل الإمدادات وتجفيف منابع التمويل.
نحن مقبلون على مرحلة انسداد في الأفق السياسي بعد الانفراج الذي لاح في السنوات الماضية.
ومع تعدد الملفات وتعقدها وتداخلها، يبدو أن مرحلة كسر العظم قد تدخل ومن المؤسف أخذ العالم لحرب باردة جديدة كونها لا تخدم أحداً. وفي الوقت الذي تتطلع فيه الشعوب إلى الاستقرار والتعايش والحوار والأمن والسلام، نرى أن لغة الحروب والعنف والصدام والتهديد والمواجهة أصبحت هي العناوين الرئيسية بدليل الحماس منقطع النظير نحو شراء الأسلحة وتوسيع خريطة الحروب والمعاناة والاصطدام.
الشرق الاوسط