«لا مبالاة» الأردني: لا يحفل ولا يصدق ولا يبتهج… هل تتوقف معارك «السلاح الأبيض» بين الكبار؟
مواجهات ومعارك تبادل الطعن بالسلاح الأبيض داخل مؤسسات القرار، صفحة ينبغي أن تطوى ولا بد ومرة واحدة، وبإرادة سياسية واضحة للجميع مرجعياً في الحالة الأردنية إذا ما أريد يوماً العودة لقواعد اللعب النظيف، وبناء استراتيجية إصلاح شمولية تظهر الاحترام الشديد والالتزام الحرفي بوثائق التحديث والتمكين والتطوير التي دفعت لاعباً مهماً في البرلمان، الدكتور خير أبو صعليك، للقول عدة مرات أمام «القدس العربي» بأن الحكومة الحالية وحكومات المستقبل محظوظة بسبب تلك الوثائق.
قد لا يتعلق الأمر عند سرد حكاية الإصلاح الأردنية فقط بتوفير أدبيات وخطط وبرامج حظيت بالحد الأدنى من التوافق بصيغة أو بأخرى، بقدر ما يتعلق بالعودة إلى ما حذر منه خبير من وزن الدكتور محمد الحلايقة، مبكراً، وهو يصيح في وجه المؤتمرين والمتشاورين: يا قوم، اعملوا على توفير حاضنة اجتماعية وشعبية لتوصياتكم.
يسأل بحضور «القدس العربي» أحد رجال الظل ومحترفيه: الحضن الشعبي كان مبتهجاً ومتفاعلاً عندما صدرت وثائق إصلاحية أخرى في الماضي مثل وثيقة الميثاق ووثيقة الأردن أولاً والرسائل الملكية.. لماذا لا نلامس مثل هذا الابتهاج اليوم والتفاعل مع ثلاثية وثائق قد تكون الأهم بعنوان التحديث والتمكين وتطوير القطاع العام؟
سؤال مهم
سؤال بمنتهى الأهمية قد تكون إجابته البسيطة والمختصرة هي «الشعب الأردني لم يعد يحفل خلافاً؛ لأنه لم يعد يصدق».
لكن تلك إجابة لا تلبي الاحتياج لتحليل أعمق بعد بروز ظاهرتي السلبية والسوداوية، والأخطر غياب اليقين بما تخطط له الدولة أو تفكر به المرجعيات وهي تطلق رؤية شاملة لأول مرة ومؤثرة في مسارات الإصلاح الثلاثي بتوقيت موحد دون أن يكترث الرأي العام أو حتى يصفق أو يطلق صافرة إعجاب وتفاعل.
يحدث ذلك حقاً ويقر به نخبة من كبار المسؤولين اليوم، لكن لا أحد يفهم لماذا تتراكم كل هذه المساحة من اللامبالاة عند المجتمع سواء في الوثائق أو في من أنتجها من مشاركين حصلوا على ميداليات، أو سواء حتى بمن يفترض أن ينفذها لاحقاً.
تلك إحدى مظاهر السوداوية وجزء من الإشكال، برأي أبو صعليك، وإلى حد ما برأي رئيس الوزراء الحالي الدكتور بشر الخــصاونة.
لكن السؤال يطل بأشباحه وبقوة وسط كل التراكمات في الحديث عن الإصلاح، ويتجدد ويتكرر اعتباراً من الحظة التي طرح فيها مبكراً الأمين العام لأكبر أحزاب المعارضة الشيخ مراد العضايلة، ملاحظته بحضور «القدس العربي» قبل تدشين مواسم الحوار على وثائق الإصلاح وفي ندوة مغلقة بحضن الجامعة الأردنية وهو يقول: على النظام أن يصلح نفسه اليوم ثم يظهر للشعب الأردني ومؤسساته أنه يحتاج للإصلاح أكثر من الناس.
سهل جداً اتهام مثل هذا المنطق بالغرور السياسي، لكن الأصعب هو تجميع طاقم وكادر داخل مؤسسات القرار بما فيها تلك السيادية والمرجعية، يؤمن بوتيرة متسارعة بالإنجاز تستحقها الوثائق الإصلاحية الأخيرة.
والأصعب جمع طاقم منسجم مع نفسه ومع الرؤية المرجعية، لديه مرونة حقيقية في الاستعداد لتوقف استهلاك معلبات الإنكار والاسترسال في الإقرار بطبيعة التحديات وحجم المشكلات.
والأصعب دوماً وأبداً هو العمل على توفير أدوات تعمل ضمن ميكانيزم الدولة مع بعضها بعضاً وتقف على قلب رجل واحد في مسافات الأمان عند التفاصيل والإجراء، وهو الأمر الذي يشير الشيخ العضايلة على الأرجح لعدم وجوده وهو يطالب بأن تصلح المؤسسة نفسها.
ليس سراً في السياق، أن مفارقة السؤال حول مصداقية الجزء التنفيذي وليس الفكري من أيديولوجيا الإصلاح الثلاثي مرتبطة بما يرصده الناس من فروقات واضحة الملمس يومياً بين ما يقال وما يحصل على الأرض أو في الواقع.
وهي مرتبطة أيضاً بما يرصده المجتمع من تناقضات أو صراعات أو مكائد داخل أروقة الدولة والمؤسسة أحياناً، في مشهد تجاذبي أقرب فعلاً -حسب مصدر عميق ومطلع- لتبادل الطعن بالسلاح الأبيض بين نخبة من كبار المسؤولين خلف الستائر، الأمر الذي يعني حتماً الغرق في التجاذب وتغذية وإنعاش صراعات مراكز القوى بين الحين والآخر على حساب إنفاذ الرؤية المعلنة إصلاحياً.
ذلك حصراً وتحديداً ينبغي أن يتوقف بصافرة واحدة وإلى الأبد ومرة واحدة أيضاً إذا ما كانت النوايا حقيقية لصالح ثلاثية الإصلاح، فبعض المسؤولين – وتلك حقيقة اليوم تعبر عنها تفاعلات معارضة الخارج وأزمات التسريبات- انشغلوا وأشغلوا الدولة بصراعاتهم وخلافاتهم، فيما تخسر جميع أطراف المؤسسة، ثم تبدو بالنتيجة هنا عبارة مثل «أن تصلح الدولة نفسها» أولاً، خالية من أي غرور.
سلسلة تسريبات
استبدال اللامبالاة في الشارع بمبالاة حقيقية يحتاج لصافرة تجعل كلفة التجاذب والشخصنة كبيرة جداً بعد الآن على أي مسؤول تنفيذي يغرد خارج السرب، ودون ذلك سيبقى الحوار عن ثلاثية الإصلاح المتوازن والمتدرج في الدولة أقرب فقط إلى سهرة وناسة أو حوار طرشان.
تقول سلسلة تسريبات من 5 سنوات عند تتبع التفاصيل شيء من هذه الاستنتاجات. وتقول الوقائع إن إضعاف الدولة لصالح أي سيناريو تحت حجة الولاء المطلق خطأ استراتيجي فادح يدفع الناس إلى مزيد من اللامبالاة ويرفع من كلفة فاتورة الإصلاح ويؤذي القرار ومؤسساته ومستوياته حتى قبل إيذاء الدولة. مطلوب وبإلحاح اليوم طاقم منسجم، وفي حال تعذر ذلك لأسباب مفهومة للجميع يمكن الانتقال إلى طاقم ملتزم وخاضع فعلاً لما يتم إقراره مرجعياً حتى لا تفلت التفاصيل.
يقول من يراقبون المشهد إن انتهاء وتلاشي وذوبان هوامش الاجتهاد الشخصي عند الأدوات التنفيذية الكبيرة وبقرار بغطاء سياسي وحاسم وصارم قد يكون الوصفة المنتجة. ويقول هؤلاء بأن فكرة الطاقم الذي ينفذ ولا يجتهد مادامت الرؤية مرجعية ويخشى عواقب الانفلات والاستقطاب وتبادل الطعنات، هي أنموذج نجح تماماً في دولة مثل السعودية، وينجح في دولة مثل مصر، فما الذي يمنع نجاحه في الأردن؟
القدس العربي