نوبل: الديناميت والأدب والسلام
مع شهر تشرين الأول/أكتوبر من كل عام تتصاعد التكهنات في أنحاء العالم حول قائمة أسماء الفائزين بجوائز نوبل، وربما انصبت اهتمامات عالمنا العربي على جائزة نوبل للآداب التي يترقب الشارع العربي أخبارها، عله يحظى بتكرار تجربة فوز الأديب المصري نجيب محفوظ بها عام 1988، وكثيرا ما تطرح قوائم لأدباء عرب يستحقون الجائزة، لكنها عادة ما تتخطاهم وتذهب إلى أدباء من مختلف بقاع العالم. لكن حصة العرب في جائزة نوبل للسلام كانت أحسن حظا، إذ حصلت عليها شخصيات من دول عربية خمس مرات، بينما كان حقل الكيمياء مثل الآداب في هذه الجائزة، إذ فاز بها عربي مرة واحدة هو العالم المصري أحمد زويل الذي حصل على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999 لابحاثه في مجال الفيمتوثانية. فمن هو ألفريد نوبل صاحب الجوائز؟ وما هو تاريخه؟ وما هي آليات إنشاء المؤسسة المسؤولة عن توزيع جوائز نوبل؟
ألفريد نوبل هو الابن الرابع لإيمانويل وكارولين نوبل. كان إيمانويل مخترعًا ومهندسا تزوج من كارولين أندريتا أهلسيل في عام 1827. وأنجب الزوجان ثمانية أطفال، منهم ألفريد الذي ولد عام 1833 وثلاثة أشقاء بقوا على قيد الحياة بعد أن مات الآخرون وهم أطفال. كان ألفريد عرضة للمرض عندما كان طفلاً، لكنه تمتع بعلاقة وثيقة مع والدته، وأظهر فضولًا فكريا حيويا منذ سن مبكرة. كان مهتما بالمتفجرات، وتعلم أساسيات الهندسة من والده. في غضون ذلك، فشل الوالد إيمانويل نوبل في العديد من المشاريع التجارية، ما اضطره للانتقال عام 1837 إلى سان بطرسبرغ عاصمة روسيا القيصرية، حيث ازدهر عمله كمصنع للألغام المتفجرة والآليات الحربية. غادرت عائلة نوبل ستوكهولم في عام 1842 للالتحاق بالأب في سانت بطرسبرغ. تمكن والدا ألفريد الموسران حديثا من إرساله إلى مدرسين خصوصيين، وأثبت أنه تلميذ متميز، إذ كان يجيد الإنكليزية والفرنسية والألمانية والروسية بالإضافة إلى السويدية.
في سبعينيات وثمانينيات القرن التاسع عشر، بنى نوبل شبكة من المصانع في جميع أنحاء أوروبا لتصنيع الديناميت، وشكل شبكة من الشركات لإنتاج المتفجرات وتسويقها. وواصل أيضا التجارب في البحث عن متفجرات أفضل منها، وفي عام 1875 اخترع شكلاً أقوى من الديناميت، وهو الجيلاتين المتفجر، الذي حصل على براءة اختراعه في العام التالي. في غضون ذلك، طور أخوا نوبل، لودفيج وروبرت، حقول نفط مكتشفة حديثا بالقرب من باكو في أذربيجان على طول بحر قزوين، وأصبحا أثرياء للغاية. جلبت اهتمامات ألفريد العالمية بالمتفجرات، بالإضافة إلى ممتلكاته في شركات أخويه في روسيا ثروة كبيرة. في عام 1893، أصبح مهتما بصناعة الأسلحة السويدية، وفي العام التالي اشترى مصنعا للحديد في بوفورس بالقرب من فارملاند، الذي أصبح نواة لمصنع الأسلحة الشهير. وإلى جانب المتفجرات، حصل ألفريد نوبل على العديد من براءات الاختراعات في صناعات مختلفة مثل، صناعة الحرير الصناعي والجلود الصناعية، وسجل إجمالاً أكثر من 350 براءة اختراع في مختلف دول العالم.
لا يسعنا إلا التكهن حول أسباب إنشاء نوبل للجوائز التي تحمل اسمه. فقد كان متحفظا، ولم يصرح لأحد بقراره في الأشهر التي سبقت وفاته. أكثر الافتراضات منطقية هو أن حادثة غريبة وقعت في عام 1888 ربما تكون قد أطلقت سلسلة من الأفكار التي بلغت ذروتها في وصيته لإنشاء صندوق لجوائز نوبل. في ذلك العام توفي شقيق ألفريد الكبير لودفيج، أثناء إقامته في مدينة كان في فرنسا. ونشرت إحدى الصحف الفرنسية خبر وفاة لودفيج، لكنها خلطت بينه وبين ألفريد، فنشر الخبر تحت عنوان «تاجر الموت مات».
لم يكن ألفريد نوبل بصحة جيدة، لكنه كان يعلم أنه لم يمت، ومع ذلك، كان نعيه منشورا بشكل بارز في الصحف، وما زاد الطين بلة، أن الصحيفة لم تقتصر على نشر خبر وفاته قبل الأوان فحسب، بل وصفته بأنه رجل»كوّن ثروته الكبيرة عبر اختراع طريقة لقتل المزيد من الناس بشكل أسرع من أي وقت مضى». انزعج ألفريد بشدة من هذه الصدفة والكيفية التي سيتذكره العالم بها. أنه حقا قد اخترع الديناميت وأقوى المتفجرات المعروفة في ذلك الوقت، لكنه كان يتصور دائما أنها ستستخدم لصالح البشرية. في الواقع، أنه سبق أن تحدث عن إنتاج مادة ذات «فعالية مخيفة للتدمير الشامل تجعل الحروب مستحيلة». لكنه لسوء الحظ، كان مخطئا. توفي ألفريد نوبل نتيجة نزيف دماغي في سان ريمو في إيطاليا في 10 كانون الاول/ديسمبر 1896 عن عمر يناهز 63 عاما. كما كان يعاني أيضا من تصلب في الشريان التاجي وأصيب بذبحة صدرية قبل وفاته بعام واحد، وقد عولج منها بالنيتروجليسرين، وهي المادة الكيميائية الأساسية في المادة المتفجرة التي طورها. وفي رسالة إلى صديق علق ألفريد نوبل على هذه المصادفة غير العادية بقوله: «أليست مفارقة القدر أن يوصف لي النتروجليسرين لأخذه كعلاج داخلي! يسمونه طبيا ترنيترن، حتى لا يخيف الصيدلي والجمهور». عاش ألفريد عازبا طوال حياته، وبالتالي، تم تقسيم جزء صغير من الأصول المالية لممتلكاته بين بنات وأبناء اخوانه وبعض الأصدقاء والخدم. ثم تم إنشاء الصندوق الذي يدعم الجوائز نتيجة تصفية جميع أصول ثروة ألفريد نوبل تقريبا، ومن بيع جميع الممتلكات العقارية والممتلكات التجارية. وكانت حقول المعرفة الخاصة بجوائز نوبل بناء على اختياره هو وقد اقترحها في وصيته، وقد كانت تعكس اهتمامه بمجالات الفيزياء والكيمياء والطب والأدب. وهناك أيضا أدلة كثيرة على أن صداقته مع داعية السلام النمساوية البارزة التي عملت سكرتيرة له بعض الوقت بيرثا فون سوتنر ألهمته فكرة تأسيس جائزة السلام. وقد جاء في وصيته تفصيل اختيار حقول الجوائز كما يلي: «يتم التعامل مع العقارات المتبقية بالطريقة التالية: يشكل رأس المال، المستثمر في الأوراق المالية الآمنة من قبل المنفذين لإنشاء صندوق توزع فوائده سنويا على شكل جوائز لأولئك الذين، خلال فترة عام، منحوا البشرية أعظم منفعة. وتقسم الجوائز المذكورة إلى خمسة أجزاء متساوية، والتي يجب أن تقسم على النحو التالي: جزء واحد للشخص الذي يجب أن يكون قد قام بأهم اكتشاف أو اختراع في مجال الفيزياء. جزء واحد للشخص الذي قام بأهم اكتشاف أو تحسين كيميائي. جزء واحد للشخص الذي حقق أهم اكتشاف في مجال علم وظائف الأعضاء أو الطب. جزء واحد للشخص الذي أنتج في مجال الأدب العمل الأكثر تميزًا لاتجاه مثالي. وجزء واحد للشخص الذي يجب أن يكون قد قام بأكثر أو أفضل عمل للأخوة بين الأمم، من أجل إلغاء أو تقليص الجيوش الدائمة وعقد مؤتمرات السلام والترويج لها. تُمنح جوائز الفيزياء والكيمياء من قبل الأكاديمية السويدية للعلوم، وتمنح جائزة الفسيولوجي أو الطب من معهد كارولين في ستوكهولم، وجائزة الأدب تمنح من الأكاديمية السويدية الملكية في ستوكهولم، أما جائزة السلام فتمنح من لجنة مكونة من خمسة أشخاص يتم انتخابهم من البرلمان النرويجي. أمنيتي الصريحة أنه عند منح الجوائز، لن يتم إيلاء أي اعتبار على الإطلاق لجنسية المرشحين. وفي عام 1968، ولإحياء الذكرى 300 لتأسيس بنك السويد المركزي، تم إنشاء جائزة سادسة، تمت تسميتها رسميا بـ»جائزة بنك السويد في العلوم الاقتصادية في ذكرى ألفريد نوبل». وعلى الرغم من وجود مخاوف بشأن هذا التطفل على نوايا ألفريد نوبل، كما حددها في وصيته، فقد تم قبول الجائزة وظيفيا من قبل السويد والعالم باعتبارها الحقل السادس لجوائز نوبل.
حيرت شخصية ألفريد نوبل المعقدة معاصريه، فعلى الرغم من أن مصالحه التجارية تطلبت منه السفر بشكل دائم تقريبا، إلا أنه ظل انعزاليا وعرضة لنوبات اكتئاب متعددة. عاش حياة بسيطة وكان رجلاً ذا نمط حياة زاهدة، ومع ذلك يمكن أن يكون مضيف عشاء مهذبا ومستمعا جيدًا ورجلا ذكيا. لم يتزوج قط، ويبدو أنه فضل مباهج الاختراع على أفراح التعلق الرومانسي. كما كان لديه اهتمام دائم بالأدب، وله كتابات في الشعر والرواية والمسرحية ظلت كلها تقريبا غير منشورة. وكانت لديه طاقة مذهلة ووجد صعوبة في الاسترخاء بعد نوبات العمل المكثفة. وكان يتمتع بسمعة ليبرالية، أو حتى وصف بأنه كان اشتراكيا، لكنه في الواقع لم يثق بالديمقراطية، وعارض حق المرأة في التصويت، وحافظ على موقف الأبوة الحميدة تجاه العديد من موظفيه. وعلى الرغم من أن نوبل كان في الأساس من دعاة السلام وكان يأمل في أن تساعد القوى المدمرة لاختراعاته في إنهاء الحروب في المجتمع الإنساني، إلا أن نظرته للبشرية كانت متشائمة دائما.
القدس العربي