فلسطين ستظل القضية الجامعة للأمة
لا توجد قضية توحد العرب جميعاً من المحيط إلى الخليج إلا فلسطين، بل هي الجامعة لكل المسلمين، وليس العرب وحدهم على امتداد الكرة الأرضية منذ عدة عقود، ويكاد لا يختلف عليها اثنان إلا في بعض التفاصيل، على الرغم من محاولات التشويه والتحريف ونشر الشائعات.
في كل مرة يشنُ فيها الاحتلالُ الإسرائيليُ حرباً على الفلسطينيين يظهر الشعور العربي الموحد الذي يؤيد فلسطين، ويرفض الاحتلال، وكذا الحال فإن الضمير العربي الحقيقي يظهر عند كل اعتداء يتعرض له المسجد الأقصى، أو استهداف تتعرض له مدينة القدس، وهنا يختفي الرأي العام المزور أو الممول الذي يظهر بين الحين والآخر على شبكات التواصل الاجتماعي، عبر حملات منظمة ومدفوعة بالمال من دول بعينها.
خلال السنوات الماضية ساد الاعتقاد في أوساط بعض المتابعين، أو المعلقين بأن الرأي العام العربي، أو جزء منه، أصبح مؤيداً للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وأصبح ينظر إلى إسرائيل على أنها دولة مقبولة في المنطقة، ويمكن أن تصبح صديقاً، بل إن البعض بدأ يزعم أن الفلسطينيين هم الذين يتحملون مسؤولية استمرار الاحتلال، بسبب أنهم رفضوا عروض التسوية السابقة مع الإسرائيليين، ما يعني أن البعض بدأ يروج إلى إدانة الفلسطيني (الذي هو الضحية) وتبرئة الاحتلال من الوضع المأساوي الراهن في الأرض الفلسطينية. ومن نافلة القول طبعاً الإشارة إلى أنَّ هذه التأويلات والادعاءات ليست سوى حملات ممولة ومبرمجة سلفاً من قبل دول التطبيع العربي، التي أرادت عبر هذه الادعاءات تبرير تطبيعها مع الاحتلال، وتبرير إقامة علاقات الصداقة مع إسرائيل قبل التوصل إلى تسوية للقضية الفلسطينية، وقبل إنهاء الاحتلال، ولذلك لجؤوا إلى حملات تشويه الفلسطينيين وشيطنتهم وإظهارهم على أنهم السبب في مصائبهم وليس الاحتلال. لكن ما يظهر مع كل محطة فارقة أو مناسبة بارزة هو أنَّ الضمير العربي لا يزال حياً، والرأي العام لا يزال رافضاً للاحتلال ومؤيداً للحق الفلسطيني، بل إنّ عموم الناس في الشارع العربي والإسلامي وغيرهم من أحرار العالم لم يتغير موقفهم، على الرغم من مرور سنوات على التسويق للتطبيع والدعاية لإسرائيل ومحاولات شيطنة الفلسطينيين وإدانتهم. ثمة أمثلة وبراهين كثيرة تؤكد أن الموقف العربي والإسلامي، وحتى موقف الشارع الغربي من قضية فلسطين لم يتغير، ففي كل مناسبة أو فعالية يُرفع فيها علم فلسطين يحتشد الناس على اختلاف توجهاتهم السياسية وأصولهم العرقية، وعلى اختلاف الزمان والمكان ويظهرون تضامناً واسعاً مع القضية الفلسطينية ورفضاً للاحتلال. قبل أيام احتشد المئات وربما الآلافُ من الأشخاص الذين تعود أصولهم الى مختلف الدول العربية في لندن للمشاركة في «مهرجان التراث الفلسطيني»، الذي يُقام سنوياً، كما استقطب عدداً كبيراً من المتضامنين الأجانب من غير الناطقين بالعربية، واستقطب أعضاء في حركة التضامن مع فلسطين، وهي حركة شعبية أغلب أعضائها من غير العرب، فيما بدا المشهد على أنه مظلة جامعة لكل محبي فلسطين وأنصارها. في العام الماضي أيضاً تدفق مئات الآلاف على وسط لندن للمشاركة في مسيرة ضخمة للتنديد بالاحتلال الإسرائيلي، وهي المسيرة التي يتم تنظيمها سنوياً في بريطانيا خلال شهر مايو/أيار من كل عام، وتعتبر أهم مناسبة تضامنية مع الفلسطينيين، فيما كانت هذه المسيرة السنوية تستقطب المئات فقط أو آلافاً قلائل قبل سنوات من الآن، لكنها أصبحت اليوم واحدة من أضخم التجمعات الجماهيرية في البلاد، وهو مؤشر مهم على أن الرأي العام الغربي أيضاً أصبح أكثر تعاطفاً مع الفلسطينيين وأكثر فهماً لقضيتهم وأكثر رفضاً للاحتلال.
ما يحدث هو أن فلسطين أصبحت القضية الجامعة لكل العرب والمسلمين ومناصري الحرية في العالم، ونخلص إلى هذه النتيجة بعد سنوات من التسويق الممنهج والدعاية المدفوعة للاحتلال، وبعد سنوات من التطبيع العربي مع إسرائيل، وسنوات من محاولات التشويه ونشر الشائعات، وهو ما يعني أن مشاريع تشويه القضية الفلسطينية وضربها فشلت، كما أنّ مشاريع التطبيع مع الاحتلال فشلت أيضاً.
القدس العربي