هل ضاعت فرصة الحوار الجزائري المغربي؟
من يعتقد مثل وزير خارجية الجزائر بأنه كانت هناك بالفعل فرصة لأن تفك ولو بعض خيوط العقدة الجزائرية المغربية، التي استعصت على الحل في جلسة قصيرة كان يفترض أن تجمع الرئيس تبون بالملك محمد السادس في القاعة الشرفية بمطار هواري بومدين، إن حضر العاهل المغربي بالطبع ومثّل بلاده في القمة العربية الاخيرة؟ كثيرون كانوا يأملون وبلا شك في أن تكون تلك الزيارة نقطة تحول كبرى في علاقة البلدين، لكن قليلين من اعتقدوا وفي ظل الأجواء غير العادية التي رافقت حضور الوفد المغربي في قمة الجزائر، أن ذلك سيكون هينا وبسيطا.
والسؤال الآن هو، ليس ما إذا كانت تلك الفرصة قد وجدت في الأصل أم لا، بل إن كان الجزائريون مقتنعين بأنه قد آن الأوان لأن يقدموا على مراجعة راديكالية لموقفهم من المغرب؟ وهل أنهم كانوا يعولون فقط على تلك الزيارة لمد أيديهم إلى جيرانهم بعد انقضاء أكثر من حول على القطيعة الدبلوماسية معهم؟
ما لم يفت وزير الخارجية المغربي، الذي سبق أن أرجع عدم قدوم الملك محمد السادس إلى العاصمة الجزائرية إلى «اعتبارات إقليمية»، أن يقول في تصريحات أخرى بأن اللقاء بين الملك المغربي والرئيس الجزائري منتظر، وأنه لا يمكن ترتيبه بسرعة في قاعة شرفية في المطار، بل هو أمر بحاجة إلى تحضيرات وترتيبات، ويضيف أنه «إذا كانت هناك فعلا رغبة جزائرية في هذا الحوار، فالملك المغربي يعطي توجيهاته بدعوة مفتوحة للرئيس الجزائري للقاء والحوار». غير أن الابتسامات القليلة وكلمات الترحيب المحدودة التي تبادلها مع الرئيس الجزائري، حين استقبله الأربعاء الماضي في المركز الدولي للمؤتمرات، وكانت من مقتضيات البروتوكول المتعارف عليه في تلك المناسبات، لم تخف حقيقة مرة، وهي أن ذلك كان في النهاية أقصى ما كان بمقدور الجزائريين إظهاره من علامات ود لضيفهم المغربي. وربما لم يكن تجاوزها أو الخروج، ولو حتى الشكلي أو المحدود عنها من قبيل أن يطلب عبد المجيد تبون مثلا من الناصر بوريطة أن يقف إلى جانبه لالتقاط صورة للذكرى، كما حصل مع باقي رؤساء الوفود العربية، بالأمر الممكن في ظل التوتر والبرود الملحوظ بين الجانبين، واعتمادهما فقط على قناة وسيطة للتواصل بينهما وهي الجامعة العربية. لقد كان واضحا جدا أن الجزائريين وضعوا سقفا معينا للتعاطي مع رئيس الدبلوماسية المغربية، مثلما أن الأخير كان يدرك بدوره جيدا، ومثلما أكده في عدة مناسبات لوسائل الإعلام التي حاورته، أنه حضر فقط لاجتماع عربي ولم يكن لزيارته أي صلة بالعلاقات الثنائية المقطوعة بين البلدين، لكن وفي الوقت الذي كان متوقعا فيه أن يبقى «للمؤرخين فقط إصدار الحكم إن كانت هناك فرصة ضاعت على المغرب العربي والعمل العربي المشترك، وكذلك من يتحمل مسؤولية ضياعها»، مثلما عبر عن ذلك وزير الخارجية الجزائري في مقابلة مع قناة «العربية» وهو يعلق على غياب العاهل المغربي، خرجت وكالة الأنباء الجزائرية الجمعة الماضية وفي رد مباشر على الدعوة المفتوحة التي وجهها وزير الخارجية المغربي للرئيس الجزائري لزيارة الرباط، بتقرير ناري مشحون لم يحتمل أكثر من تأويل واحد وهو، أن الجزائريين ليسوا جاهزين أو مستعدين لأن يرسلوا ولو إشارة بسيطة، أو محدودة قد يفهم من ورائها أنهم يتطلعون الآن لفتح صفحة جديدة مع جارتهم الغربية. فقد وصفت الوكالة في تقريرها الذي عكس وجهة النظر الرسمية دعوة بوريطة بـ»الدعوة المزعومة والمناورة الدنيئة وغير اللائقة»، وبأنها «تبرير سخيف لتخلف الملك محمد السادس عن حضور أشغال القمة العربية في آخر لحظة»، وكان واضحا أنها أرادت وأد آخر الآمال المحدودة في أن يحدث انفراج في الأفق القريب، يسمح ببدء حوار حقيقي ومفتوح بين العاصمتين المغاربيتين. لكن ألم يكن ممكنا وفي أدنى الأحوال، أن تمتنع عن الرد وأن تعتبر الدعوة لذلك الحوار معلقة أو مشروطة مثلا بجملة من العوامل، بدلا من نفيها وإنكارها ووصفها بالمزعومة والدنيئة وغير اللائقة؟ إن غرابة الموقف الذي صدر بعد يومين فقط من القمة العربية، قد لا تختلف كثيرا عن غرابة تصريحات رمطان لعمارة في مايو الماضي، التي قال فيها إن قطع العلاقات مع المغرب «لا يحتمل وساطات، وليس فيه وساطة بغض النظر عن الجهة التي ربطت بها أجهزة إعلامية هذه الفكرة»، قبل أن يضيف أنه «ليست هناك أي وساطة لا بالأمس ولا اليوم ولا غدا، لأن الموقف الجزائري واضح وهو أن قطع العلاقات الدبلوماسية جاء لأسباب قوية وليحمل الطرف الذي أوصل العلاقات لهذا المستوى السيئ المسؤولية كاملة غير منقوصة» على حد قوله. ولعل القاسم المشترك بين الاثنين هو ليس فقط، أن الإعلان عن رفض أي وساطة أو مصالحة أو حوار بين البلدين قد حصر ذلك بظرف أو مدة زمنية أو مرحلة بعينها، بل إنه جاء بشكل مطلق ومفتوح وغير محدد الأمد. وهذا ما يطرح سؤالا جوهريا حول سر التصلب الجزائري، وعدم الرغبة ولو بإبقاء فتحة صغيرة، وتعمد إغلاق الباب بالكامل أمام أي تطور قد يحدث لاحقا، ويسمح للجزائريين بأن يقبلوا وتحت أي صيغة من الصيغ بفكرة الجلوس إلى طاولة واحدة للحوار مع المغاربة. إن لعن الماضي والحاضر قد يكون مبررا أو مفهوما، لكن سيكون من الصعب جدا أن يكون هناك تفسير مقبول للعن المستقبل أيضا. والمفارقة الكبرى أن يحصل ذلك في وقت تستلم فيه الجزائر رئاسة القمة العربية وتترأس فيه أيضا لجنة الحكماء، التي أقرتها لحل النزاعات العربية. فأي نجاح قد تحققه رئاسة القمة، أو تلك اللجنة إن بقي كل شيء على حاله، ولم يبذل أي مسعى ولو رمزي لإيجاد لا حلا ظرفيا أو محدودا للنزاع الجزائري المغربي، بل فقط مجرد اختراق بسيط يسمح باتفاق البلدين العربيين على الجلوس إلى طاولة الحوار؟ وهل أنه سيكون واردا أو متوقعا حينها حل نزاعات أو خلافات عربية أخرى؟
إن من يتصور أن ذلك سيكون ممكنا سيكون واهما بالتأكيد، فكيف يمكن للعلاقات التونسية المغربية مثلا أن تعود إلى سالف عهدها، من دون أن يظهر في الأفق ما يشير إلى أن العلاقات الجزائرية المغربية قد تشهد بعض التحسن؟ وأي دولة عربية قد تقبل بآراء ومقترحات لجنة الحكماء، وهي تعلم جيدا أن تلك اللجنة تعجز عن الاقتراب من نزاع عربي مزمن ومدمر بين أكبر جارين عربيين في الشمال الافريقي؟ ما سيقوله البعض، إن الأمر يحتاج حتما لإدارة طرفين اثنين، وإن إلقاء اللوم فقط على الجزائر لعدم رغبتها في السعي للحوار قد يحمل قدرا من المبالغة والتجني، لكن إن كان عدم ذهاب العاهل المغربي إلى القمة العربية فرصة مهدورة فهل سيكون ممكنا أن يكون قدوم الرئيس الجزائري للمغرب فرصة متداركة لحوار لم يفت أوانه بعد؟ هذا ما يأمله على الأقل كل المغاربة والجزائريين ولو ان آمالهم تبقى إلى الان واهنة جدا ومحدودة.
القدس العربي