الانتخابات الأميركية وثمن الديمقراطية

تم نشره الأربعاء 09 تشرين الثّاني / نوفمبر 2022 12:36 صباحاً
الانتخابات الأميركية وثمن الديمقراطية
إميل أمين

يظل الأميركيون، لا سيما مع كل انتخابات تجري على أراضيهم، وسواء كانت انتخابات تجديد نصفي للكونغرس، أو انتخابات رئاسية، على قناعة بأن الديمقراطية الأميركية، هي المثل الأعلى ضمن النماذج السياسية المماثلة حول العالم، وفي حين يشيرون إلى عيوب البقية الباقية، تراهم يهملون إعادة قراءة أو نقد نظامهم.
والشاهد، أنه لطالما كانت قضية تمويل الحملات الانتخابية، من أهم القضايا التي تشغل بال القائمين على مراقبة مسارات الدمقرطة في الداخل الأميركي.
تاريخياً، صدر أول تشريع لتمويل الحملات الانتخابية الأميركية في العقد الأول من القرن العشرين، أي قبل نحو مائة عام ونيف، وذلك عندما نظم قانون تليمان مساهمات الشركات والبنوك في الحملات الانتخابية.
تالياً، استغرق أحدث تشريع إصلاحي، لإصلاح أحوال الحملات الانتخابية، والذي عرف باسم قانون «ماكين – فاينغولد»، وصدر عام 2002، سنوات عدة، حيث حاربته الجبهات أصحاب المصالح الراسخة بكل ما أوتيت من قوة.
ولعله من المقطوع به أن نظام تمويل الحملات الانتخابية الأميركية، نظام معيب، غير أن أحداً لم يقدم حتى الساعة طرحاً مقبولاً للإصلاح، ومرد ذلك، أن كل إصلاح يساعد فئة بعينها، يضرّ في الوقت عينه بفئة أخرى، والذين يحظون بمزايا في ظل تطبيق مجموعة معينة من القواعد، سيحرمون منها إذا طُبقت مجموعة أخرى بديلة.
لماذا هذا الحديث الآن؟
المؤكد أن الإنفاق الذي حدث خلال الأشهر القليلة المنصرمة، بهدف تمويل حملات المرشحين لمجلسي الشيوخ والنواب، والذي بلغ نحو 11 مليار دولار، وضع الجميع في الداخل الأميركي، أمام استحقاقات السؤال عينه عن مدى نزاهة وشفافية، بل وديمقراطية العملية الانتخابية برمتها.
ما أنفق حتى يوم الاقتراع، يتجاوز في واقعه قيمة ما صُرف في انتخابات الرئاسة 2020، التي أضحت حجر زاوية في خلافات الأميركيين وبعضهم بعضاً.
أشعل الرئيس السابق دونالد ترمب السباق هذه المرة، وبخاصة من خلال حديثه عما سماه بضرورة خلق «موجة حمراء عملاقة»، أي فوز مؤازر للجمهوريين؛ ولهذا تدفقت التبرعات الانتخابية على الحزبين الكبيرين، على أمل تحويل دفة العملية الانتخابية وبشكل يستدعي علامة استفهام عن شرعية التبرعات والتمويلات.
أخفقت المحكمة العليا في البلاد في التوصل إلى حل لأزمة الأموال التي باتت تشتري الديمقراطية، لا سيما بعد قرارها لصالح المؤسسات غير الربحية، ومجموعات الدعوة المحافظة، حيث قضت بأن الحكومة الفيدرالية تستطيع أن تفرض قيوداً على الشركات أو النقابات أو الجمعيات أو الأفراد، من إنفاق الأموال للتأثير عل نتائج الانتخابات.
ينقسم الأميركيون في رؤيتهم لإشكالية التبرعات إلى ثلاث مجموعات:
الأولى: ترى أن هناك شبهات في تدفق المبالغ المالية الكبيرة، وأن ثمة احتمالات لوجود شبهة تأثير على النتائج، وفي النهاية على التشريعات.
أصحاب هذا الرأي يميلون إلى القاعدة المعروفة «من يدفع للجوقة هو من يحدد اللحن»، والمتبرع حكماً له ماورائياته وأهدافه، التي تتسق ومصالحه الاستراتيجية، ويسعى إلى إدراكها بحال من الأحوال.
الثانية: تميل إلى القطع بأن التبرع بالمال ليس شراءً للذمم والأصوات، بل ضرب من ضروب التفضيلات السياسية، تبيحه وتتيحه السياقات الليبرالية، وما يتفق وحرية رأس المال وتدفق الأموال، لا سيما أنها تحدث في العلن وليس في السر.
الثالثة: ترى أنه من الأفضل أن يكون هناك إطار عام لتمويل تلك الحملات، وأنه ينبغي أن يتحمل تلك التكاليف المواطنون الأميركيون بالتساوي مع بعضهم بعضاً؛ ما يجعل هواجس إفساد الحياة السياسية، تتقلص بشكل واضح.
يتساءل المراقبون للمشهد الانتخابي الأميركي، عن تبرعات جماعات المصالح، وهل هي منزهة عن الهوى، أم أنها مخالب تنشب في الجسد الديمقراطي الأميركي!
الثابت، أن هناك رؤى براغماتية وراء تلك المجموعات، سواء تلك الموسومة بملامح ومعالم سياسية آيديولوجية، كـ«إيباك» و«جي ستريت» وغيرهما، أو ذات الأبعاد النفعية الاقتصادية مثل تكتلات «وول ستريت» ولوبيات النفط والفحم، والجماعات ذات الإرث التاريخي، كالمحاربين القدامى، والمدافعين عن حقوق الأميركيين في حيازة الأسلحة، عطفاً على المجمع الصناعي العسكري، الذي يعزى إليه التحكم في الحياة السياسية الأميركية برمتها.
من هنا تبدو مسألة الديمقراطية التي يستطيع المال شراءها، أمراً ينتقص من فكرة الديمقراطية الأميركية الطهرانية، ويدفع بها إلى آفاق الشموليات المقّنعة من غير مواراة أو مداراة.
والحادث أن الجميع في الولايات المتحدة يتفقون على ضرورة تقديم المساهمات في الحملات الانتخابية صراحة وعلانية، ويعتقد البعض أن النظام الحالي المعني بإبلاغ المسؤولين الفيدراليين أ والولاياتيين عن مساهماتهم غير وافٍ، في حين يؤكد الآخرون أن هناك ضرورة إلى المزيد من الإفصاح، بل والإفصاح العاجل.
ورغم ذلك تدور عجلة التبرعات في أطرها التقليدية، بدءاً من التبرع بعملات ورقية من فئة العشرة والعشرين دولاراً، وصولاً إلى المبيت في جناح أبراهام لنكولن في البيت الأبيض، وتناول الإفطار صباح اليوم التالي، مع الرئيس الأميركي والسيدة الأولى، مقابل مائة ألف دولار أو يزيد.
يطرح إنفاق التجديد النصفي للكونغرس تساؤلات عن مصير انتخابات الرئاسة القادمة، 2024، وهل سيكون دخول البيت الأبيض، عبر انتخابات ديمقراطية، أم من خلال دروب النفوذ الأوليجاركي المقنع؟
الليالي الأميركية دوماً حبلى بالمفاجآت.

الشرق الاوسط

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات