حراك تعز بين تمكين إرث صالح واستعادة الزخم إلى المقاومة
مرة أخرى تتجه الأنظار نحو محافظة تعز التي تحتل الركن الجنوبي الغربي من اليمن وتهيمن على مضيق باب المندب وعلى الجانب اليمني من جنوب البحر الأحمر، إثر سلسلة من التطورات، أولها افتتاح مطار في مدينة المخا وعودة عدد كبير من المسؤولين والبرلمانيين عبر المطار، وتنظيم أكبر مسيرة جماهيرية في مدينة تعز تلبية لدعوة المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية.
من ضمن أكبر قيادات الدولة التي تزور تعز هذه الأيام رئيس مجلس النواب الشيخ سلطان البركاني، الذي ينتمي إلى المحافظة نفسها، لكن اللافت أن هذه الزيارة المتأخرة لرجل بهذا الوزن إلى محافظته لم تأت في سياق ترتيبات جديدة لتثبيت منجزات الأرض المحررة وتقوية مركز محافظة تعز، بل لإحياء مناسبة سياسية بامتياز ترتبط بالرجل الذي لعب دوراً سيئاً في جر اليمن إلى كارثة الصراع والحرب والانقلابات والانفتاح على خيارات تقسيم الدولة، وأعني به الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي خرج من السلطة تحت وطأة ثورة الحادي عشر من شباط/ فبراير 2011.
المناسبة هي ذكرى الثاني من كانون الأول/ ديسمبر2017، فقد قتل علي عبد الله صالح في الرابع من الشهر نفسه، بعد يومين من اشتباكات دارت في قلب العاصمة صنعاء بين قواته ومسلحي جماعة الحوثي، لكنها يا للمفارقة لم تنه التحالف القائم بين جزء مهم من المؤتمر الشعبي العام والحوثيين.
ما يجري في إحدى أهم ساحات الحرب مع الجماعة الانقلابية المتمردة، يدعو إلى الاهتمام حقاً، فالتحالف يسعى بكل الطرق الممكنة لسحب البساط من تحت أقدام القوة الشعبية التي تمنح تعز منعتها وترفد قدرتها على مقاومة الحصار، وصد عدوان الحوثيين، وهي قوة تُظلم على الدوام بإصرار البعض على ربطها بالأجندة السياسية للتجمع اليمني للإصلاح.
تصرف الإمارات والسعودية بسخاء لتعزيز مكانة مدينة المخا والساحل الغربي لمحافظة تعز، وتحويلها إلى نقطة جذب قوية وترجيح مكانتها الجيوسياسية وصولاً إلى فرض نفوذها على بقية المحافظة، ما يعني بالضرورة تصفية الحسابات بشكل نهائي مع إرث ثورة التغيير والمشروع الوطني.
ومن العجيب أن ذلك يجري عبر الإنجازات الحيوية الممتازة، المقامة في مدينة المخا لكنها محسوبة لفائدة القوة العسكرية والسياسية بقيادة عضو مجلس القيادة الرئاسي العميد طارق محمد عبد الله صالح، وعلى رأسها إنشاء مطار المخا وتدشين المرحلة الثانية لإنشاء المرافق الخاصة به، والحرص على تسيير رحالات خاصة إليه لنقل المسؤولين، في مشاهد متكررة تجعل من المخا مركز تعز الحقيقي في هذه المرحلة، وهي من الأمور الإيجابية، خصوصاً إذا أصبحت جاهزة لتقديم الخدمة للمواطنين.
لا يوجد في محافظة تعز شخص غير سعيد بالمشاريع التي تنجز في المخا، لكن المزاج العام الذي عبر عنه عشرات الآلاف الذين خرجوا اليوم في مدينة تعز للمطالبة بدعم استكمال معركة تحرير المحافظة، لا يحبذ هذا التسارع في تجيير الجزء الغربي من محافظتهم لصالح مشاريع سياسية لا تبدو ودية للغاية وليست ذات أولوية، ومنها مثلاً تكريس ذكرى مقتل علي عبد الله صالح على يد حلفائه الحوثيين السابقين، في معركة غير متكافئة بعد أن عمل ما بوسعه لتقوية وضعهم العسكري وتمكينهم من الدولة، ليس فقط بعد فقدانه السلطة، بل قبل ذلك بسنوات؛ عندما حرص على تقوية نفوذهم خصوصاً في وحدات النخبة من القوة العسكرية التي تسند نظامه.
حرص رئيس مجلس النواب على استحضار ذكرى مقتل صالح خلال لقاءاته بأبناء محافظة تعز، ويحسب له أنه أبقى على مفردات الخطاب الإيجابية المتصلة بتوحيد الصفوف، وهو ما يجعل زيارته تحت المجهر خصوصاً ما يتعلق بالمخرجات؛ ومن أهمها بالتأكيد إنهاء حالة الانقسام بين مكونات تعز السياسية والاجتماعية، التي يكرسها التحالف بكل ما أوتي من إمكانيات ونفوذ.
فالأمر سيكون محزناً للغاية إذا اقتصرت الزيارة على الاحتفاء بذكرى الثاني من كانون الأول/ ديسمبر، التي تعتبر عبئاً على الحركة الوطنية، وعبثاً لا معنى له إطلاقاً. إذ يتوجب أن تُستغل هذه المناسبة -إذا كان لا بد من الاحتفاء بها- لتوجيه القوة الجاهزة في المخا لمواجهة العدو واستعادة الدولة وعدم التورط في التصنيف والانتقائية تجاه تعز وقواها الوطنية والسياسية، وهنا يمكن لجماعة صالح أن تتخلص من التركة السيئة لتحالف زعيمها مع جماعة الحوثي المدعومة من إيران.
والأهم من ذلك يتوجب على رئيس مجلس النواب الذي ينتمي لحزر المؤتمر الشعبي العام، أن يستوعب الرسالة القوية التي حلمتها مسيرة أبناء تعز الضخمة أمس السبت في مركز المحافظة، وأولى مؤشرات هذا الاستيعاب أن يضع يده بيد المجلس الأعلى للمقاومة، وأن يدعم خيار استكمال تحرير محافظة تعز، ليس مكافأة لأبنائها، بل لأن تحرير تعز سيقوّي مركز الشرعية ويمكّنها من خوض معركة استعادة الدولة بأقل ما يمكن من الخسائر.
عربي 21