سِر… وفي الدارجة المغربية: «سير»

تم نشره الثلاثاء 13 كانون الأوّل / ديسمبر 2022 12:24 صباحاً
سِر… وفي الدارجة المغربية: «سير»
بيير لوي ريمون

فعل مُصرّف بصيغة الأمر، أكسبه مدرب المنتخب المغربي وليد الركراكي شهرة لا تضاهيها شهرة. عندما بلغني الأمر، لم أستطع مقاومة ذكرى رافقتني منذ صغري، حين انغرس هذا الفعل وانغرست معه تبعاته النفسية، على نحو امتزجت فيه انفعالات بسيطة لتلميذ صغير وصل في منهاجه التعليمي إلى درس كتابة حرف «السين»، بقول يوفر أرضية سهلة لاستخراج سلوك مفعم بالحكمة :
«سيري سيري سلحفاتي، مسكنك معك حيث سرتِ».
كم وجدتها جميلة هذه الكلمات. ومنعشة ومعبرة (كانت لدينا سلحفاة في بستان البيت). وإذا كنت أتذكرها بعد سنوات، فليس لمجرد لطفها، لكن لما يحمله السير البطيء من دلالات، دلالات العزيمة والجهد والكفاح المؤصلة في الاستمرارية.

لم يحدد وليد الركراكي للسير طبيعة ولا إيقاعا. وقد يستغرب مني القارئ هذه الملاحظة، فالمفروض أن يكون الأمر طبيعيا دونما حاجة للحديث عن طبيعة! المفروض أن يتمثل لك حكيمي وبوفال وزملاءهما متوجهين بسرعة صاروخية إلى مرمى الخصم، لتسجيل هدف الانتصار، حينها تتعالى هتافات ويهرول مهرولون إلى الشوارع، وتعلو مباهج نشوة لا يعلى عليها.
هكذا المفروض وللسير هذا التحديد فعلا، لكنّ للسير تحديدا آخر أيضاً، معروفا ومتعارفا ومتداولا، وهو أقرب إلى سير السلحفاة: «من سار على الدرب وصل». محاسن السير البطيء، بل ضروراته، صبر ومثابرة، لدرجة أن ميلان كونديرا كتب رواية «البطيء». لا توجد معركة نفسها قصير.. لا معركة إلا ونفسها طويل. وأكثر ما يبهرني في المدرب الركراكي إيمانه الراسخ بمزايا الزمن الطويل. الحياة قصيرة، لكن الزمن طويل، لأن الزمن الطويل رديف العمل الدؤوب، لكن لا عمل يؤتي أكله، من دون إدخال عنصر الزمن في الاعتبار، وهذا ننساه كثيرا، ننساه لأننا دخلنا معاصرة حدد الاستهلاك معالمها، دخلنا ثقافة النتيجة الفورية التي حصرت وحاصرت تحديد «السير» عند مستواه الأول، مستوى سرعة الأداء ودوامة الابتهاج الجنوني، مستوى قد ينحدر إلى ترقب السلعة الجاهزة قبل الشروع في تصنيعها حتى، لقد أغفلنا التحديد الثاني، تحديد السير البطيء، السير «السلحفاتي»، إذا أجيزت لي العبارة. أغفلنا مع أن من دونه لا يستقيم السير السريع.
بعد الحديث عن منهاج «قراءتي» الذي كان معتمدا لتعلم العربية في سنواتي الابتدائية في المدرسة الفرنسية بالمغرب، ننتقل إلى صورة ما زالت عالقة بذاكرتي في منهاج اللغة الفرنسية من مرحلة التعليم الإعدادي. صورة لاعب يعدو.. على خلفية مد وجزر من المشجعين أرجعتهم الرتوشات الفوتوغرافية إلى موجة عاتية تعبث بهم. عبث النشوة في خدمة السير إلى الأمام. سر، وفي الدارجة المغربية: «سير». مهما كانت النتائج المقبلة، من المؤكد أن الشعار أوصلنا أصلا إلى نقطة اللاعودة، لا عودة عن إنجازات ما كتب لها أن تتحقق لولا فعل مصرف في صيغة الأمر على الطريقة المغربية حوله «سي وليد» إلى قريحة يجود بها فريق كامل، بل شعوب كاملة اقتنعت بأن فقط السماء هي الحد.

القدس العربي



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات