المونديال حكاية مغربية جميلة
طيلة سنوات، وحضور صورة المغرب لم تكن عموما إيجابية في الإعلام الدولي، بسبب أخبار التوتر التي طغت على ملفات سياسية واجتماعية، وأزمات دبلوماسية ثم الأحلام المجهضة في الديمقراطية ومشاريع التقدم، غير أن الصورة تغيرت نسبيا بسبب نتائج المنتخب المغربي في المونديال، ويوجد انتظار وترقب لمساع أخرى تكميلية لاكتمال العرس الوطني، وليس الكروي فقط.
وعمليا، يصاب المرء بالذهول وهو يقرأ، أو يشاهد كيف يقترن اسم المغرب هذه الأيام في كبريات الصحف وقنوات التلفزيون في العالم من «سي أن أن» إلى «نيويورك تايمز» إلى «روسيا توداي» وحتى «تشاينا دايلي» بعبارة أصبحت كلاسيكية «المغرب يحقق التاريخ»، ثم عبارات أخرى من قبل «المغرب يعطي للمونديال طعما خاصا» و»المونديال يتغير بفضل المغرب». إنها الصحف التي كان البعض يتهمها بالعداء للمغرب، الآن هي أكبر من تقوم بالتعريف بالمغرب والترحيب بنتائجه في المونديال.
لقد احتفل الكثير من شعوب العالم، خاصة في افريقيا والعالم العربي والإسلامي، بل حتى في أوروبا بتأهل المنتخب المغربي، ويعود هذا إلى تعدد روافده الإثنية سواء في وجود العنصر الافريقي والعربي، بل والأوروبي في تكوين ساكنته أو عبر جالياته المهاجرة في الكثير من مناطق العالم. وعلاقة بالنقطة الأخيرة، فأبناء الجالية المقيمون في الخارج يشكلون عموده الفقري، لهذا كتبت جريدة «لفنغورديا» الإسبانية أن المنتخب المغربي هو منتخب الأمم المتحدة، ليس انتقاصا منه، كما فهم البعض، بل لتنوع أفراده ثقافيا وإثنيا وجغرافيا في العالم، ونجاحات لاعبيه في كبريات الدوريات الأوروبية مثل، الإسباني والإنكليزي والفرنسي والبلجيكي والألماني. الجريدة نفسها عادت وكتبت أن المنتخب المغربي هو منتخب أوروبي، أي مستوى عال من الاحترافية. ويبقى الأساسي هو نضج الأوروبيين، سواء معلقين رياضيين أو سياسيين، الذين لم يقولوا إن لاعبين يحملون جنسيات بلد أوروبي ولدوا فيه أو تجنسوا بجنسيته، وتم تكوينهم فيه يجب أن لا يلعبوا مع منتخبات أصولهم. هذه النتيجة المبهرة التي اعتقد الكثيرون أنها معجزة، جاءت بفضل أبناء الشعب المغربي، وبعقلية مغربية تؤمن بالعمل والتحدي، جسّدها لاعبون أمثال حكيم زياش وبونو والمزراوي والنصيري وأوناحي و… ثم العقل المدبر المدرب وليد الركراكي. خلال كأس العالم، صدرت تعليقات عميقة من أبناء الشعب، ويمكن تلخيصها في فكرتين وهما: الأولى تؤكد أن قطاع الرياضة، وعلى رأسه المنتخب المغربي لكرة القدم، هو ربما الوحيد الذي لا يحتاج إلى عقلية الزبونية والوساطة، وإن كان البعض قد حاول رفقة سماسرة الترويج لصالح لاعبين على حساب آخرين. وعليه، إذا تم تطهير المغرب من وباء الوساطة والزبونية، قد يحقق أبناؤه نتائج مبهرة في مختلف القطاعات وليس الرياضية فقط، بل حتى السياسية. ونتساءل، لماذا يلمع السياسيون المغاربة في الحكومات الأوروبية، ولا يسقطون في ممارسات فاسدة، ويحدث أحيانا في حالات في المغرب، إنها البيئة والظروف العامة. والفكرة الثانية أن ما حققه المنتخب المغربي لم يرتكز على مدرب أجنبي، أو اعتمد على كثرة الدراسات المرتبطة بمكاتب الدراسات الأجنبية، بل اعتمد على مدرب مغربي وهو الركراكي، الذي ترجم حب المواطن العادي نحو المجد عندما قال، إن المنتخب المغربي لم يأت للعب دور الكومبارس، بل ندا لكبار المنتخبات. وعندما تتحلى بهذا التفكير وهذا الوعي العميق، لا تنتظر من الآخرين الاعتراف بك، بل تسعى الى إرضاء ذويك، أي الشعب الذي تنتمي إليه، إن المغرب ضحية هيمنة مكاتب الدراسات الأجنبية وسماسرتها، حيث حولوا البلاد، مثلما يجري في عدد من دول العالم الثالث، إلى بقرة حلوب ببيع مخططات ومشاريع واهية مثل «المغرب دولة صاعدة» و»التنمية البشرية» والطاقة الشمسية» ضمن مشاريع أخرى، لم تحقق النجاح المرجو منها لمصلحة الشعب المغربي، وذلك وباعتراف المسؤولين أنفسهم؛ لأنها في العمق ناتجة عن أفكار غير البيئة المغربية المحضة. وقد أكد المدرب الركراكي واللاعبون صواب الأطروحة التي تؤمن بأن كل بلد ينهض على أكتاف أبنائه، ولدينا أمثلة في كوريا الجنوبية والصين وتركيا و…. وكان اللاعب حكيم زياش حكيما في تدوينته في الفيسبوك عندما كتب «شجعوا أبناء الوطن وضعوا ثقتكم فيهم». لقد ساعد المونديال الأرجنتين سنة 1978 عندما فازت به الى الانتقال للديمقراطية، رغم أن الطغمة العسكرية وقتها أرادت استغلاله سياسيا، وشكل تنظيم إسبانيا لمونديال 1982 انطلاقتها نحو التطور الاقتصادي المذهل، بعدما كانت دولة هامشية في أوروبا. في غضون ذلك، مغرب ما قبل المونديال ليس هو مغرب ما بعد المونديال. الآن، أصبحت مسؤولية الطبقة السياسية الحاكمة كبيرة في ضرورة إعطاء صورة مشرّفة عن المغرب مختلفة عن الأحداث التي خدشتها في الماضي، من فساد إداري واعتقالات وتأخر قطار الديمقراطية وهيمنة العقلية البيروقراطية التي تقف سدا أمام طموحات أبناء الوطن. الأمر لا يتطلب قروضا من الخارج، بل أجندة تقوم على مبادئ أبرزها الثقة في أبناء البلد، تغليب الكفاءة ثم تفعيل المحاسبة ضد الفساد.
المغرب والمونديال حكاية جميلة جرت أطوارها في الشوط الأول، والجميع ينتظر الشوط الثاني بلاعبين مختلفين ليحققوا نتائج ضد الفقر والفساد، ولصالح الديمقراطية والحرية، وبذلك ستكتمل الحكاية الرائعة، أو الحدوتة الجميلة التي بدأها شباب المنتخب المغربي لكرة القدم في مونديال قطر 2022.
القدس العربي