النجاح العربي في المونديال
النجاح الذي حققته دولة قطر في تنظيم مونديال كأس العالم 2022 لم يسبق للعرب أن حققوا إنجازاً في حجمه منذ عقود طويلة، وأهم ما في الإنجاز القطري أنه نجاح عربي كبير لا يتوقف على دولة قطر، وسيظل إنجازاً مشهوداً يتحدث عنه الناس في العالم لسنوات مقبلة.
النجاح القطري لا يتعلق بتنظيم لعبة كرة قدم، ولا بطولة بين مجموعة منتخبات دولية، وإنما نجحت واحدة من أصغر الدول العربية مساحة وتعداداً للسكان في استضافة حدث عالمي استقطب أعداداً هائلة من الزوار الأجانب، الذين تقاطروا على اختلاف ثقافاتهم وعاداتهم وتقاليدهم وأديانهم، وتجاوز هذا النجاح مستوى تنظيم المونديال إلى تحويله لمناسبة تم فيها التعريف بالثقافة العربية والدين الإسلامي، كما تمت فيها إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة وتذكير العالم بأن هذه هي قضية العرب الأولى.
كان الكثيرون يراهنون على فشل قطر في المهمة، وكانوا يراهنون على أن تواجه البطولة مشاكل وعوائق ومتاعب، وإذا بدولة قطر خرجت من هذا التحدي بأفضل مونديال، وانتهت البطولة وفي دولة قطر أفضل بنية تحتية على مستوى المنطقة، فضلاً عن الإنجازات السياسية الكبيرة للدولة وللعرب أجمعين، التي تم تحقيقها خلال المباريات التي استقطبت في أغلبها قادة دول ومؤثرين وصناع قرار. بانتهاء مونديال قطر 2022 استطاع العرب أن يثبتوا مجدداً أنهم ليسوا في ذيل الأمم، وأن لديهم قدرات كامنة يمكن أن تظهر وأن تحقق الإنجازات شريطة أن تتاح لهم الفرصة، أما الإنجازات العربية التي تحققت في هذا المونديال فيُمكن إيجازها في الآتي:
أولاً: أعاد المونديال القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام العالمي، وأهم ما في ذلك أنه أعادها على المستوى الشعبي، فلا يوجد متابع في أي مكان بالعالم للمباريات إلا ولاحظ الأعلام الفلسطينية، ولمس وقرأ وشعر بالتضامن مع الشعب الفلسطيني على هامش كل مباراة، خاصة في تلك المباريات التي كانت المنتخبات العربية طرفاً فيها. وهو ما دفع الكثيرين في العالم إلى البحث مجدداً عن تفاصيل الصراع ومعلومات عما يجري فيه. وهذا ما اعترف به الإسرائيليون أنفسهم، وأبدوا غضبهم منه، وانشغلت به وسائل الاعلام العبرية خلال أيام المونديال.
ثانياً: شكّل المونديال استفتاء شعبياً جديداً على المستوى العربي في ما يتعلق بالتطبيع مع إسرائيل، وأغلب الظن أن صعود المنتخب المغربي وإبداعاته في المونديال كان سبباً مهماً في ذلك، حيث كان المغرب آخر الدول العربية التي أعلنت التطبيع مع الاحتلال، بينما كان جمهور مشجعيها أكثر المتضامنين مع فلسطين، وانتهى الأمر برسالة واضحة مفادها أن التطبيع رسمي لا شعبي، وأن الشعوب العربية وفي مقدمتها المغارية يرفضون الاعتراف بإسرائيل ويطالبون بإنهاء الاحتلال.
ثالثاً: أتاح المونديال للجماهير من مختلف أنحاء العالم التعرف على الدين الإسلامي وتعاليمه، والتعرف على الثقافة العربية الأصيلة، وبدا واضحاً أن دولة قطر كان لديها توجه بذلك، ورغبة بالاستفادة ثقافياً من هذا الحشد البشري الهائل، وقد نجح العربُ في ذلك فعلاً، وهذا ما اعترف به العديد من التقارير الغربية التي تحدثت عن المظاهر المصاحبة للمونديال في الدوحة.
رابعاً: نجح العربُ في التصدي لحملات خارجية تستهدف ثقافتهم المحلية وعاداتهم وتقاليدهم، وذلك عبر تمسك القطريين بمنع الترويج لبعض المظاهر غير المألوفة عربياً وخليجياً، بل استطاعت قطر أيضاً أن تنفي الكثير من المزاعم أيضاً التي كان يتم ترويجها عن الدولة، عبر الشهادات التي نقلها الزوار بعد عودتهم وسردهم لروايات وقصص تؤكد نجاح المونديال.
المؤكد اليوم هو أن قطر أقوى وأفضل، وهي اليوم ليست كما كانت قبل مونديال 2022، فهي الدولة التي رآها مئات الآلاف من البشر ونقلوا مشاهداتهم عنها إلى ملايين غيرهم، وهي الدولة التي كان يراهن الكثيرون على أنها ستفشل في تنظيم الحدث الرياضي الأكبر في العالم، لكنها كسبت الرهان. والإنجازات التي تحققت بهذا المونديال لم تكن لتتحقق ولو أنفق العرب عشرات المليارات على حملات الإعلان وشركات العلاقات العامة، ولم يكن بمقدورنا أن نلفت أنظار البشرية إلى فلسطين وقضيتها بهذا الشكل وهذا المستوى لولا هذا المونديال.. إنه نجاح عربي غير مسبوق.
القدس العربي