رحيل شيخ المنشدين المتصوفة حمزة شكور قبل أن يسمع نشيده الأخير عن غزة

المدينة نيوز- حسين دعسة- قبل وفاته بأيام كانت دمشق وحلب تردد بعض الابتهالات الصوفية الدينية ، الجميلة..والتي عرفت من خلال صوته الهادئ والرخيم :
\"الحمد لله ألذي أنار الوجود.. مولاي صلي وسلم.. مصدر الأشياء أحمد\"، او عندما كان يترنم بقصائد ابن الفارض.
انه المنشد الشيخ حمزة شكور الذي ودعته تكبيرات وآهات وتهليل يهصرها الألم على وداع المحب للمصطفى، عن عمر يناهز الثالثة والستين إثر أزمة قلبية مفاجئة، لم تتح له سماع آخر ابتهالاته التي سجلها بصوته القوي الرخيم نشيداً عن غزة لإذاعة دمشق.

ومن جامع الغفران بالقابون في وسط دمشق، عادت جموع المصلين تتذكر حارس ليل المنشدين المتصوفة الذين اغنوا تراث الإنسانية.
والراحل شكور مثقف في القراءات القرآنية وأحكام التجويد عدا عن التراث الشعبي الصوفي، بدأ الإنشاد الديني منذ صغره وقد ارتاد الزوايا الصوتية مع والده وامتلأت نفسه بحب الصوفية وطرقها المختلفة، وتابع في مطلع شبابه حيث انضم في مطلع السبعينيات إلى رابطة المنشدين في جامع بني أمية بدمشق إلى جانب توفيق المنجد وسليمان داوود. وبعد رحيل المنجد تولى رئاسة الرابطة وقام بتوسيعها. ‏
والرجل معروف كمنشد ديني شامي يعد من رواد وكبار المنشدين ومن عملوا في مواضيع فن الغناء الصوفي والموشحات والقدود الكلاسيكية في الشام و لبنان وفلسطين، لتتجاوز مكانته وابداعاتة بلاد الشام.
أغلب التواشيح والوصلات الصوفية الشرقية العربية انتقلت من تركيا والأناضول وشاعت بأداء منشدين من حلب الشهباء.
يؤدي المنشد الراحل حمزة شكور لياليه وموعظة مستندا الى ذاكرة حافظة للألحان بكل مثيراتها الأصيلة، فهو بعد (الليالي) أبياتا من قصيدة للبهاء زهير المهلبي اشتهرت بأداء أبو العلى محمد (غيري على السلوان قادر) ويتبعه بموشح (احن شوقا الى ديار..) (لحن علي الدرويش) وموشح شادي الألحان (لحن سيد درويش) وابتهالين : (مالك الملك في يديك قيادي) و(يا من يراني في علاه ولا أراه) وموشحي: (يا إمام الرسل يا سندي) و(عجل بالنصر وبالفرج).

تمتع حمزة شكور بصوت جميل وقوي ساعده على أداء مختلف أنواع الإنشاد الديني، وقام بجولات كثيرة مع فرقته في أوروبا وأميركا ومعظم البلدان العربية.
كان من عادات شكور انه يتماهي في رؤى الدوران الصوفي (المولوية) وهو أمر له معان كثيرة، فحين يرفع الدرويش يده الى الأعلى فهي إشارة الى السماء والى الله عز وجل بكل حواسه تاركاً الدنيا وملذاتها، كما يرى ان الرقص المولوي جزء لا يتجزأ من الطرق الصوفية كوسيلة للتعبير عن الحب الإلهي. ‏

وهو سليل مدرسة عريقة متوارثة منذ الشيخ عبد الغني النابلسي. فرقة \"الكندي\" أسهمت في شهرته العالميّة، وموعده مع الجمهور الدمشقي، جمع بين الأذان والتجويد والأناشيد الوطنية والموشَّحات.
الشيخ حمزة شكور المولود في أحد أحياء دمشق عام 1944، كان رمز الحفاظ على التراث الغنائي الشعبي في حاضرة بلاد الشام الذي يتمثّل في الطرب كما في الإنشاد الصوفي الأصيل المتوارث منذ جيل الشيخ عبد الغني النابلسي في الجامع الأموي الكبير. جال شكّور العالم مع فرقته، وشارك في مهرجانات دولية وكان هدفه إيصال القِيَم الفنية الحضارية التي ينطوي عليها التراث الإسلامي.

سعى الراحل هو وغيره ممن تفننوا في فن الموشحات والدراويش والمولوية - الله يا مولانا الله - إلى محو الصورة المغلوطة التي تكوّنت في أذهان الكثيرين في الغرب. في عام 1983 ، أسّس الموسيقي المستشرق السويسري جوليان فايس (الذي ما لبث أن اعتنق الإسلام وأصبح اسمه جلال الدين) فرقة إنشاد صوفي أطلِق عليها اسم \"الكندي\" نسبة إلى عالم الفلك والرياضيات والفيلسوف العراقي محمد بن يعقوب الكندي، واضع أول سُلّم موسيقي عربي. تولى الشيخ حمزة إعداد برنامج الفرقة الذي يتألف من إنشاديات وابتهالات صوفية، والذي يجري تجديده كل ثلاث سنوات.
ويعد الإنشاد الصوفي الذي ترافقه الدراويش المولوية - بما يسمى الطقس المولوي أو الدوران تحقيقاً للانخطاف والطرب بالخالق، إشكالية مهمة اشتغال عليها شكور بفضل حفلات حول العالم وتسجيلات أصدرتها شركات أسطوانات كبرى.

في الحفلة الشامية الأخيرة- خلال حفلات وداعية دمشق عاصمة للثقافة العربية، تربّع الراحل الشيخ حمزة شكور بثوبه التراثي الأنيق كالملك الراعي وسط فرقته الضخمة (13 كماناً، 2 تشلّلو، 2 قانون، ناي، أكورديون، 6 آلات إيقاعية شرقية، كونترباص، وكورس من 20 شاباً و19فتاة)، الفائقة الترتيب والتنظيم، بدءاً بالأزياء وصولاً إلى الأداء الموسيقي والغنائي.
قدم الشيخ حمزة برنامجاً متنوعاً ضم الأذان والتجويد (الذي تولاه منفرداً صوت رائع من أعضاء الكورس)، والأناشيد الوطنية المتغنية بالشام، والموشَّحات والصلوات والشعائر والأغاني الطربية.
وانضم الدراويش، أو فرسان العشق الإلهي، كما يسمّيهم الشيخ حمزة، إلى الأمسية للدوران على الإيقاعات الصوفية، وبينهم أولاد صغار نافسوا الراشدين في الفتل. وأصغر الدراويش طفل قد يكون في الخامسة من عمره أو أكثر بقليل، جلس بثوبه الأبيض طوال الأمسية وسط المسرح، حتى ظننّا أن لا دور له هذه الليلة. لكن في الختام نهض الملاك وتوسط الدراويش وراح يدور مثلهم، فتولى أحد أعضاء الفرقة احتضانه خوفاً من أن تسقطه الدوخة أرضاً عند انتهاء العرض! وعندما دخل الشيخ حمزة في دائرة الموشَّحات، احتلّت المسرح فرقة من الفتيات اليافعات يقدّمن لوحات تراثية راقصة، ويتمايلن بأثوابهن الأنيقة ذات الطابع الأندلسي الساحر.
الى ذلك تعد سوريا بين الدول العربيّة القليلة التي حافظت على تراثها الموسيقي الديني المتنوّع، في مجال التقاليد الصوفيّة تحديداً. ونشير في هذا السياق إلى مدرسة إنشاد صوفي أكثر شعبية، ما زالت تتوارث هذا الفن الإسلامي العريق، إنّها المدرسة الحلبية التي يعدّ بين رموزها عمر البطش (توفي عام 1950)، وصبري مدلل (1918-2007) و(حسن الحفار وفرقته).

ومن ابداعات شكور التي عرفت عربيا واسلاميا وعالميا حزمة من الاعمال منها:
- ترتيل القرآن كريم، ما تيسر من سورة الأحزاب و سورة الفاتحة.
- ابتهالات مجددة من التراث الصوفي منها: لا اله إلا الله وقالت أقمار الدياجي و يا أكرم الخلق مالي من الود به.
- مولاي صلي وسلم دائما أبدا على حبيبك خير الخلق كلهم.
- ناي وتقاسيم على العود ويا من اذا قلت يا مولاي لباني.
- ناي حزين جدا.
- تقاسيم ومعزوفات فردية على العود و الناي و قانون.
ولعل شكور قد أعاد معنى البكاء والخشوع للصوت في وصلة مديح نبوي تعد من اشهر ما قدم خلال أكثر من 50 عاما وتقول كلماتها:
بحمدك يا إلهي
أتيناك بالفقر يا ذا الغنى
يا من تحل بذكره
صلاتنا على النبي
يا ربنا صلي على طه..