رفقاً بموائل مخلوقات العالم؟
تمر الأرض بأسوأ حالة انقراض جماعي منذ أن قضى كويكب على وجود الديناصورات قبل 66 مليون سنة - هذه المرة، الكويكب هو نحن: البشر. يمارس البشر أخطر عملية تشريد للأنواع الأخرى من كوكب الأرض بمعدل غير مسبوق، في كارثة يركز عليها مؤتمر الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي، المعروف باسم «COP15»، مؤخراً في مونتريال. نحن تهديد فريد من نوعه، لكننا نملك على الأقل قدرة فريدة للإقرار به واتخاذ تدابير بشأنه.
الاعتراف بمشكلتك هي الخطوة الأولى نحو التعافي، بطبيعة الحال، وتُحذر مسوّدة خطة المؤتمر مبدئياً من أن مليون نوع سوف يتعرض للانقراض إن لم نُغير تصرفاتنا. وفي حين أن المندوبين في مونتريال يسددون أصابع الاتهام صوب كل شيء من البلاستيك إلى المبيدات الحشرية إلى الأنواع الغازية، فإن خسارة التنوع البيولوجي ليست بمثل هذا التعقيد.
المشكلة الأساسية تكمن في أننا حوّلنا نصف الأراضي الصالحة لسكنى الأنواع الأخرى إلى أراضٍ زراعية، ومن ثم، فقد دمرنا وأفسدنا موائل تلك الأنواع بُغية زراعة الغذاء من أجل أنفسنا.
مما يعني أن مصير الحشرات، والأرانب، وغيرهما من الكائنات والمخلوقات في العالم - وما تبقى من الغابات، والأراضي الرطبة، وغيرها من الموائل التي يتخذونها موطناً - بات يعتمد أكثر من أي شيء آخر على ما نضعه في أفواهنا وكيف يُصنع. ومما يؤسف له، أن إبلاغ الناس ماذا يأكلون، وإبلاغ المزارعين كيف يزرعون، من الأمور غير المستساغة على الصعيد السياسي، ما يساعد في تفسير ميل المظاهرات المناصرة للبيئة والحياة البرية، كمثل مؤتمر «COP15»، إلى حجب المشكلة تحت سيل من الكلمات.
يأمل علماء البيئة وأنصارها في مغادرة مونتريال مع التزامات من الحكومات بالحفاظ على 30 في المائة من الأرض بحلول عام 2030، والوفاء بتحقيق 21 هدفاً آخر. لكن الحكومات أخفقت بالفعل في تحقيق أهداف الحفاظ على البيئة الأقل طموحاً التي حُددت لعامي 2010 و2020 على التوالي. وهناك أيضاً ضجيج ثائر بشأن تقليص التزامات الشركات بسلاسل التوريد الأكثر رعاية للبيئة، غير أن مؤتمر «COP15» يدندن في الغالب حول جوهر أزمة التنوع البيولوجي.
يكمن جوهر الأمر في استمرار الاتجاهات الراهنة في تناول الطعام والزراعة، حيث يشرع العالم في إزالة الأراضي بما يعادل كامل مساحة شبه القارة الهندية ويزيد بحلول عام 2050، ما من شأنه أن يُشكل كارثة بالنسبة للمناخ والحياة البرية، ويُحد من الأنظمة البيئية الغنية بالكربون والتنوع الحيوي مثل غابات الأمازون والكونغو المطيرة.
لذا، فمن الأفضل لاتجاهات الأكل والزراعة الراهنة ألا تستمر. فالبشرية تحتاج لأن تبدأ في تقليص بصمتنا الزراعية وتوسيع بصمتنا الطبيعية، بعد آلاف السنين من مزاولة العكس تماماً.
من شأن ذلك أن يكون تحدياً استثنائياً، لأننا سوف نحتاج أيضاً لإنتاج أكثر من 7.4 كوادريليون سعر حراري إضافي كل عام لإطعام سكان الأرض المتزايدين، في عصر ربما يصعب فيه زراعة الغذاء بسبب الجفاف، وموجات الحرارة، والفيضانات، والآفات الناجمة عن تغير المناخ.
يمكنك أن تدرك لماذا يبدو سيل الكلمات أكثر جاذبية.
بوسعك أيضاً إدراك لماذا تبدو الوعود بالحفاظ على الأراضي أو الترويج للمنتجات «الخالية من إزالة الغابات» جوفاء. بوسع الحكومات التعهد بحظر إزالة الأراضي، لكن حين يشعر شعوبها بالجوع فإنهم سوف يزيلون الأراضي. وربما توقع بعض الشركات اتفاقات لتجنب الصويا أو لحوم الأبقار من الأراضي التي أزيلت منها الغابات حديثاً، ولكنها لن تفعل الكثير إذا واصلت شركات أخرى شراء الصويا أو لحوم الأبقار من الأراضي التي أزيلت منها الغابات حديثاً.
إذا كان الإنسان العاقل جاداً في تطهير الفوضى التي أحدثناها للأنواع الأقل تأثيراً، فهناك أربعة أشياء يمكن للأفراد والدول والشركات فعلها.
الأول، هو تناول كميات أقل من اللحوم، مما سيكون أيسر بكثير إذا لم تكن اللحوم محبوبة ولذيذة؛ إذ إن الحد من إتاحة البرغر بالجبن من الممكن أن يعصف بالحياة السياسية لكثير من الساسة، لذا فليس من قبيل المصادفة أن تذكر مسوّدة مؤتمر مونتريال تغيير الأنظمة الغذائية فقط عند بلوغ هدفه السادس عشر. لكن الحقيقة المزعجة أنه عندما نأكل الأبقار والدجاج والماشية الأخرى، فقد نتناول كذلك ببغاء الماكاو، والجاغوار، وغيرها من الأنواع الأخرى المهددة بالانقراض. ذلك لأن الماشية تمضغ كمية من الأراضي لكل سعر حراري أكبر بكثير من المحاصيل. فإنتاج اللحم البقري يستهلك 100 مرة أكثر من زراعة البطاطا، و55 مرة أكثر من زراعة البازلاء أو المكسرات. أيضاً تستخدم الماشية الآن ما يقرب من 80 في المائة من جميع الأراضي الزراعية، في حين تنتج أقل من 20 في المائة من جميع السعرات الحرارية. فالماشية هي المحرك الرئيسي لإزالة الأدغال في الأمازون، يليها فول الصويا، السلعة الأخرى التي تُغذي الدجاج وغيره.
من المتوقع ارتفاع استهلاك اللحوم بصورة كبيرة مع هروب المليارات من فقراء العالم من براثن الفقر. إذا استمر الأميركيون في تناول متوسط ثلاث قطع من البيرغر أسبوعياً بينما يبدأ العالم النامي في اتباع سبيلنا، فمن الصعب تصور كيفية بقاء غابات الأمازون.
لكن من الممكن على الأقل تقليص بصمتنا الزراعية عبر تحويل أنظمتنا الغذائية نحو اللحوم المصنوعة من غير المواشي، كمثل البدائل النباتية التي تقدمها الشركات بما في ذلك «إيمبوسيبل فودز» أو «بيوند مِيت»، أو ربما يوماً ما نرى «اللحوم المزروعة: المُستنبتة» التي تنمو من الخلايا الحيوانية.
الشيء التالي الذي نحتاج لفعله هو إهدار كميات أقل من الطعام؛ إذ يُفقد نحو ثلث الغذاء الذي يُزرع على الأرض أو يُلقى به قبل أن يصل إلى أفواهنا، ما يعني أن ثلث الأرض (علاوة على المياه والأسمدة وغيرها من الموارد) المستخدمة لزراعة ذلك الغذاء تُهدر هي الأخرى. لكن مسوّدة مونتريال لا تتضمن سوى إشارة واحدة للحاجة إلى «خفض نصيب الفرد من نفايات الغذاء العالمية إلى النصف»، في غياب أي اقتراحات بشأن الكيفية التي قد تساعد بها التغييرات التقنية والسلوكية والسياسية في تحقيق مثل هذا الهدف الطموح.
كل فدان من الأرض يُشكل أهمية كبرى، ذلك لأننا في حاجة ماسة إلى زراعة مزيد من المحاصيل الغذائية، وتوفير موائل طبيعية لمزيد من الحياة النباتية والحيوانية المحلية، وتخزين مزيد من الكربون للحد من التغير المناخي. لهذا السبب، من الجنون بصفة خاصة استخدام المساحة المحدودة من الأرض في إنتاج الوقود. الطريقة الثالثة لتخفيف الضغط العالمي على الأراضي تتمثل في التوقف عن استخدام الأراضي الزراعية المنتجة في الحصول على الوقود الحيوي مثل الإيثانول والديزل الحيوي - ووقف حرق الأشجار للحصول على الطاقة - لكن خطة مونتريال لا تتناول حتى هذا الموضوع.
في الواقع، هناك زخم عالمي لتوسيع هيمنة الطاقة الحيوية على الأرض. وتقدر ورقة جديدة في مجلة «نيتشر» أن سياسات الاتحاد الأوروبي الجديدة قد تقضي على نصف الأراضي العشبية الأكثر تنوعاً في القارة، وتُحول خُمس الأراضي الزراعية إلى محاصيل للطاقة، ما قد يؤدي إلى إزالة الأراضي في الخارج لتحل محل الغذاء المفقود. كما يُشجع الاتحاد الأوروبي مصانع الطاقة التي تعمل بحرق الأخشاب، وهي وصفة أكيدة لقطع الغابات في جميع أنحاء العالم.
الشرق الاوسط + «نيويورك تايمز»